الأندلس أجمعها، ومات منها أكثر الخلق، واجتاز بعضهم البحر إلى العدوة لانتجاع خصبها، وارتجاع ما فاتها بأرض الأندلس من جدبها.
قال صاحب المقتبس: وكان المقلّون يطوفون الأيام دون تعلل بطعام، وفي سنة اثنتين ومائتين كانت الوقعة العظمى بقرطبة، وهي المعروفة بوقعة الربض، وهي نوبة كانت من أهل قرطبة، هاجوها يوم الأربعاء لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان غب أحقاد حملوها على الحكم بن هشام، فحملوا السلاح بغتة، وزحفوا إلى قصره جملة، فلم يتزحزح عن سريره، وإنما بعث مواليه وأهل ولائه فقاتلوهم [ص ٣١٤] حتى هزموهم، واستمروا بالطلب لهم ولزموهم، وأمسك منهم خلقا كثيرا «١» ، وصلب منهم ثلاث مائة رجل صفوفا أمام قصره، وأعظم فيهم الحادثة، وأفشى المثلة، ثم أمر بالكف، ونادى فيهم بالجلاء فتفرقوا في بلاد الأندلس أيدي سبأ، وعبر إلى بر العدوة، منهم فل ممن لا قتل ولا سبي، وقال الحكم في ذلك:
[الطويل]
رأيت صدوع الأرض بالسيف راقعا ... وقدما لأمت الشعب مذ كنت يافعا
فسائل ثغوري هل بها اليوم ثغرة ... أبادرها مستنضي السيف دارعا
وسائل على الأرض الفضاء جماجما ... كأحقاف شريان الهبيد لوامعا
ينبيك أني لم أكن في قراعهم ... بوان وقدما كنت بالسيف قارعا
وإني إذا حادوا جزاعا عن الردى ... فما كنت ذا حيد عن الموت جازعا
حميت ذماري فاستبحت ذمارهم ... ومن لا يحامي ظل خزيان ضارعا
ولما تساقينا سجال حروبنا ... سقيتهم سجلا من الموت ناقعا