لعل الإجابة عن هذا التساؤل تكمن في ظهور شخصية أبي الفداء على مسرح الأحداث وتحوله من ناقل أو ناسخ لما سبقه من التواريخ إلى راو لما عاينه وشاهده أو قام به من أحداث، وتمثل سنة ٦٨٤ هـ/ ١٢٨٥ م أول إطلالة تاريخية لأبي الفداء على العالم الخارجي، ففي هذه السنة حضر أبو الفداء مع والده الملك الأفضل نور الدين علي فتح حصن المرقب من فرسان الإسبتارية وكان وقتها في الثانية عشرة من عمره، وقال:«وهو أول قتال رأيته»«١» .
كما حضر فتح طرابلس من الصليبيين في سنة ٦٨٨ هـ/ ١٢٨٩ م «٢» .
واشترك أبو الفداء في فتح عكا من الصليبيين أيضا في سنة ٦٩٠ هـ/ ١٢٩١ م، وكان إذ ذاك «أمير عشرة»«٣» .
وفتح قلعة الروم من الأرمن في السنة التالية «٤» ، لتتوالى بعد ذلك مشاركاته في معظم الوقائع الحربية التي دارت على الجبهة الشامية ضد التتار، إضافة إلى الحملات والغارات الإسلامية (المملوكية) على بلاد الأرمن وما والاها من القلاع والحصون الشمالية.
وقد تحدث أبو الفداء عن نفسه وعن دوره في هذه الوقائع والحملات، كما تحدث بلسان العسكر الحموي الذي كان يقاتل في عداده وبصورة بات يصعب معها على العمري أو على غيره من المؤرخين فصل السياق عن صاحبه دون أن تلحق أضرار بالغة بأحدهما أو كليهما معا.