أما ما يتصل ببقية سنوات الكتاب (٦٩٣- ٧٤٤ هـ/ ١٢٩٣- ١٣٤٣ م) فقد سلخها العمري جملة وتفصيلا عن «دول الإسلام»«١» لمعاصره شمس الدين الذهبي (ت ٧٤٨ هـ/ ١٣٤٧ م) .
ولا شك أن خسارة العمري كانت كبيرة للغاية بعد انقطاعه عن «المختصر» ، وما نظن أن تحوله للتاريخ المذكور قد قلل من هذه الخسارة نظرا للفارق المنهجي الكبير بين التاريخين خاصة إذا علمنا أن «دول الإسلام» لا يعدو أن يكون «تاريخا صغيرا» استله الذهبي من تاريخه الكبير «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» ، وقصره على أبرز الحوادث والوفيات، ولعل العمري كان معنيا بالرقي بتاريخه- بأي ثمن- إلى أيامه وذلك جريا على عادة معاصريه من المؤرخين الحوليين الذين اعتادوا أن يكتبوا تواريخهم سنة فسنة حتى آخر أيامهم أو قبيلها بقليل «٢» ، ولعل هذا ما يفسر قيام العمري بضم أخبار (حوادث ووفيات) ما نظن أن بصره قد وقع عليها من قريب أو بعيد، وإن وقع فإنه لم يمهل النظر ثانية فيها (بسبب وفاته) ، تماما كما لم يمهل النظر في تاريخ أبي الفداء على ما أسلفنا، وها نحن نراه يتحدث عن وقعة مرج الصّفّر (شقحب) بين المسلمين والتتار (٧٠٢ هـ/ ١٣٠٣ م) كمن واقع أيامها بحلوها ومرها في الوقت الذي لم يكن فيه قد تجاوز الثانية من عمره:
«وطلع الضوء من بكرة الأحد والمسلمون محدقون بالتتار، فلم يكن ضحوة إلا وقد ركن التتار إلى الفرار وولوا الأدبار، ونزل النصر ودقت البشائر وزين