للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فخرجا حتى أتيا المسجد، فقال الوليد: هذا عثمان بن مظعون قد جاء ليرد عليّ جواري. فقال عثمان: صدق، وقد وجدته وفياً كريم الجِوَار، وقد أحببت أن لا أستجير بغير اللَّه ﷿، وقد رددت عليه جواره. ثم انصرف عثمان بن مظعون، ولبيدُ بن ربيعة بن جعفر بن كلاب القيمي في مجلس قريش، فجلس معهم عثمان، فقال لبيد وهو ينشدهم:

ألَا كُلُّ شَيْءٍ ما خَلَا اللَّه باطِلُ (١)

فقال عثمان: صدقت. قال لبيد:

وكُلُّ نَعِيمٍ لا مَحَالَةَ زائل

فقال عثمان: كذبت، فالتفت القوم إليه فقالوا للبيد: أعِدْ علينا. فأعاد لبيد، وأعاد له عثمان بتكذيبه مرة وبتصديقه مرة، وإنما يعني عثمان إذا قال: «كذبت»، يعني نَعِيم الجنة لا يزول. فقال لبيد: واللَّه - يا معشر قريش - ما كانت مجالسكم هكذا! فقام سفيه منهم إلى عثمان بن مظعون فلطم عينه، فاخْضَرَّت، فقال له من حوله: واللَّه يا عثمان لقد كنتَ في ذِمَّة منيعة وكانت عينك غنية عما لقيت! فقال عثمان: جوار اللَّه آمن وأعَزُّ وعيني الصحيحة فقيرة إلى ما لقيت أُختها ولي برسول اللَّه وبمن آمن معه أُسوة. فقال الوليد: هل لك في جواري؟ فقال عثمان: لا أرَبَ لي في جوار أحد إلا في جوار اللَّه (٢).

ثم هاجر عثمان إلى المدينة، وشهد بدراً. وكان من أشد الناس اجتهاداً في العبادة، يصوم النهار ويقوم الليل، ويجتنب الشهوات، ويعتزل النساء، واستأذن رسول اللَّه في التبتل والاختصاءِ (٣)، فنهاه عن ذلك. وهو ممن حرم الخمر على نفسه، وقال: لا أشرب شراباً يُذْهِب عقلي، ويُضْحك بي من هو أدنى مني.

وهو أول رجل مات بالمدينة من المهاجرين، مات سنة اثنتين من الهجرة، قيل: توفى بعد اثنتين وعشرين شهراً بعد شهوده بدراً، وهو أول من دفن بالبقيع أخبرنا إبراهيم بن محمد بن مهران وغيره قالوا بإسنادهم إلى محمد بن عيسى قال: حدثنا محمد بن بَشَّار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان، عن عاصم بن عبيد اللَّه،


(١) البيت في الشر والشعراء لابن قتيبة: ١/ ٢٧٩.
(٢) سيرة ابن هشام: ١/ ٣٧٠، ٣٧١.
(٣) ينظر تفسير الطبري، الأثر ١٢٣٤٨: ١٠/ ٥١٩، عند الآية ٨٧ من سورة المائدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>