للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سنة إحدى وأربعين، وقيل: لخمس بقين من ربيع الأول منها، وقيل: في ربيع الآخر، فتكون خلافته عَلَى هذا ستة أشهر واثني عشر يومًا، وعلى قول من يقول: في ربيع الآخر تكون خلافته ستة أشهر وشيئًا، وعلى قول من يقول: في جمادى الأولى نحو ثمانية أشهر، والله أعلم. وقول من قال سلم الأمر سنة إحدى وأربعين، أصح ما قيل فيه، وأما من قال: سنة أربعين، فقد وهم.

ولما بايع الحسن معاوية خطب الناس قبل دخول معاوية الكوفة فقال: أيها الناس، إنما نحن أمراؤكم وضيفانكم، ونحن أهل بيت نبيكم الذين أذهب اللَّه عنهم الرجس، وطهرهم تطهيرًا، وكرر ذلك حتى ما بقي إلا من بكى حتى سمع نشيجه. ولما دخل معاوية الكوفة وبايعه الناس قال عمرو بْن العاص لمعاوية: لتأمر الحسن ليخطب، فقال:

لا حاجة بنا إِلَى ذلك، فقال عمرو: لكني أريد ذلك ليبدو عيه [١] ، فإنه لا يدري هذه الأمور، فقال له معاوية: قم يا حسن فكلم الناس فيما جرى بيننا، فقام الحسن في أمر لم يرو فيه، فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال في بديهته: أما بعد، أيها الناس، فإن اللَّه هداكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا، ألا إن أكيس الكيس التقي، وَإِن أعجز العجز الفجور، وَإِن هذا الأمر الذي اختلفت أنا ومعاوية فيه: إما أن يكون أحق به مني، وَإِما أن يكون حقي تركته للَّه عز وجل، ولإصلاح أمة مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وحقن دمائكم، ثم التفت إِلَى معاوية وقال: وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ ٢١: ١١١ [٢] .

فأمره معاوية بالنزول، وقال [٣] لعمرو: ما أردت إلا هذا. وقد اختلف في وقت وفاته، فقيل: توفي سنة تسع وأربعين، وقيل: سنة خمسين، وقيل: سنة إحدى وخمسين، وكان يخضب بالوسمة [٤] .

وكان سبب موته أن زوجته جعدة بنت الأشعث بْن قيس سقته السم، فكان توضع تحته طست، وترفع أخرى نحو أربعين يومًا، فمات منه، ولما اشتد مرضه قال لأخيه الحسين رضي اللَّه عنهما: يا أخي سقيت السم ثلاث مرات لم أسق مثل هذه، إني لأضع كبدي، قال الحسين: من سقاك يا أخي؟

قال: ما سؤالك عَنْ هذا؟ أتريد أن تقاتلهم؟ أكلهم إِلَى اللَّه عز وجل. ولما حضرته الوفاة أرسل إِلَى عائشة يطلب منها أن يدفن مع النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأجابته إِلَى ذلك، فقال لأخيه: إذا أنا مت فاطلب إِلَى عائشة أن أدفن مع النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلقد كنت طلبت منها فأجابت إِلَى ذلك، فلعلها تستحي مني، فإن أذنت فادفني في بيتها، وما أظن القوم، يعني بني أمية، إلا سيمنعونك، فإن فعلوا فلا تراجعهم في ذلك، وادفني في بقيع الغرقد [٥]


[١] أي عجزه.
[٢] الأنبياء: ١١١.
[٣] في الاستيعاب ٣٨٩: فقال عمرو لمعاوية: ما أردت إلا هذا.
[٤] الوسمة: نبت، وقيل: شجر باليمن يخضب بورقه الشعر، أسود.
[٥] بقيع الغرقد: مقبرة المدينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>