للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ مَحْمُودِ بْنِ سَعْدٍ الأَصْفَهَانِيُّ، أخبرنا أبو الطيب طلحة بن أبى منصور الحسين بن أبى الصالحانى، أخبرنا جدي أبو ذر محمد بن إبراهيم سبط الصالحانى الواعظ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ ابن جعفر أبو الشيخ، حدثنا محمد بن العباس بن أيوب، حدثنا عبيد بن إسماعيل الهبارى من كتابه (ح) قال أبو الشيخ: وحدثنا إسحاق بن جميل حدثنا سفيان بن وكيع قالا: حدثنا جميع بن عمر العجليّ، حَدَّثَنِي رجل من بني تميم من ولد أبى هالة زوج خديجة عن ابن أبي هالة عن الْحَسَن بن على قال: سألت خالي عن دخول [١] النبي صلّى الله عليه وسلم فقال: كان دخوله لنفسه مأذون له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزءا للَّه، عز وجل، وجزءا لأهله وجزءا لنفسه، ثم يجعل جزءه بينه وبين الناس، فيرد ذلك على العامة بالخاصة، ولا يدخر عنهم شيئا.

فكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل على قدر فضائلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما يصلحهم والأمة عن مسألتهم وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، ويقول: «ليبلغ الشاهد الغائب، وأبلغونى حاجة من لا يقدر على إبلاغي حاجته فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه ثبت الله قدميه يوم القيامة» لا يذكر عنده إلا ذلك ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون روادا ولا يتفرقون إلا عن ذواق [٢] ويخرجون أدلة [٣] .

قال: فسألته عن مخرجه: كيف كان يصنع فيه؟ فقال:

كَانَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم يخزن لسانه إلا فيما يعنيه أو يعنيهم، ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم، من غير أن يطوى عن أحد منهم بشره ولا خلقه، ويتفقد أصحابه، ويسأل عما في الناس، يحسّن الحسن ويقوّيه، ويقبّح القبيح ويوهيه. معتدل الأمر غير مختلف، لا يميل مخافة أن يغفلوا ويميلوا، لا يقصر عن الحق ولا يتجاوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة.

فسألته عن مجلسه فقال:

كَانَ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر الله عز وجل، ولا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها [٤] وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهى به المجلس، ويأمر بذلك، ويعطى كل جلسائه نصيبه، لا يحسب أحد من جلسائه أن أحدا أكرم عليه منه من جالسه أو قاومه لحاجة سايره حتى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لم ينصرف إلا بها، أو بميسور من القول، قد وسع الناس خلقه فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة وصدق، لا ترفع فيه


[١] أي عن دخوله منزله.
[٢] أي لا ينصرفون عنه إلا بعد أن يتذوقوا العلم والأدب.
[٣] هو جمع دليل، أي: بما قد علموه فيدلون عليه الناس، يعنى يخرجون من عنده فقهاء.
[٤] أي لا يتخذ لنفسه مجلسا يعرف به.

<<  <  ج: ص:  >  >>