للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَ الرَّجُلِ بِهِ قُوَّةٌ، فَيَكُونَانِ مَعَهُ، وَيُصِيبَانِ مِنْ طَعَامِهِ. وَقَدْ كَانَ ضَمَّ إِلَى زَوْجِ أُخْتِي رَجُلَيْنِ- قَالَ:

فَجِئْتُ حَتَّى قَرَعْتُ الْبَابَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: ابْنُ الْخَطَّابِ- قَالَ: وَكَانَ الْقَوْمُ جُلُوسًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ فِي صَحِيفَةٍ مَعَهُمْ- فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتِي تَبَادَرُوا وَاخْتَفَوْا، وَتَرَكُوا- أَوْ: نَسَوُا الصَّحِيفَةَ مِنْ أَيْدِيهِمْ. قَالَ: فَقَامَتِ الْمَرْأَةُ فَفَتَحَتْ لِي، فَقُلْتُ: يَا عَدُوَّةَ نَفْسِهَا، قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ صَبَوْتِ [١] ! قَالَ: فَأَرْفَعُ شَيْئًا فِي يَدِي فَأَضْرِبُهَا بِهِ، قَالَ: فَسَالَ الدَّمُ. قَالَ: فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ الدَّمَ بَكَتْ، ثُمَّ قالت: يا ابن الْخَطَّابِ، مَا كُنْتَ فَاعِلا فَافْعَلْ، فَقَدْ أَسْلَمْتُ. قَالَ: فَدَخَلْتُ وَأَنَا مُغْضَبٌ فَجَلَسْتُ عَلَى السَّرِيرِ، فنظرت فإذا بكتاب في ناحية البيت، فقلت: مَا هَذَا الْكِتَابُ؟

أَعْطِينِيهِ. فَقَالَتْ لا أُعْطِيكَ، لَسْتَ مِنْ أَهْلِهِ، أَنْتَ لا تَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَلا تَطْهُرُ، وَهَذَا لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ! قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ بِهَا حَتَّى أَعْطَتْنِيهِ، فَإِذَا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ١: ١ فَلَمَّا مررت ب الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ١: ٣، ذعرت ورميت بالصحيفة مِنْ يَدِي- قَالَ: ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي، فإذا فيها: سَبَّحَ لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ٥٧: ١ [٢]- قَالَ: فَكُلَّمَا مَرَرْتُ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ذَعَرْتُ، ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَيَّ نَفْسِي، حَتَّى بَلَغْتُ: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ٥٧: ٧ [٣] حتَّى بَلَغْتُ إِلَى قَوْلِهِ: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ٥٧: ٨- قَالَ فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ- قَالَ: فَخَرَجَ الْقَوْمُ يَتَبَادَرُونَ بِالتَّكْبِيرِ، اسْتِبْشَارًا بِمَا سَمِعُوهُ مِنِّي، وَحَمِدُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ قَالُوا: يا ابن الْخَطَّابِ، أَبْشِرْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا يَوْمَ الإِثْنَيْنِ فَقَالَ: اللَّهمّ أعزّ الإسلام بأحد الرجلين: إما عمرو ابن هِشَامٍ، وَإِمَّا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَإِنَّا نَرْجُو أن تكون دعوة رسول الله لَكَ. فَأَبْشِرْ- قَالَ:

فَلَمَّا عَرَفُوا مِنِّي الصِّدْقَ قُلْتُ لَهُمْ: أَخْبِرُونِي بِمَكَانِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالُوا: هُوَ فِي بَيْتٍ فِي أَسْفَلِ الصَّفَا- وَصَفُوهُ- قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى قَرَعْتُ الْبَابَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: ابْنُ الْخَطَّابِ.

قَالَ: وَقَدْ عَرَفُوا شِدَّتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَعْلَمُوا بِإِسْلامِي- قَالَ: فَمَا اجْتَرَأَ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنْ يَفْتَحَ الْبَابَ! قَالَ: فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «افْتَحُوا لَهُ، فَإِنَّهُ إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يَهْدِهِ» .

قَالَ: فَفَتَحُوا لِي، وَأَخَذَ رَجُلانِ بِعَضُدِي حَتَّى دَنَوْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقَالَ: أَرْسِلُوهُ قَالَ: فَأَرْسَلُونِي، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: فَأَخَذَ بِمَجْمَعِ قَمِيصِي فَجَبَذَنِي إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:


[١] يقال: «صبأ فلان» إذا خرج من دين إلى دين غيره. وقد أبدلوا من الهمزة واوا.
[٢] سورة الحديد، آية: ١.
[٣] سورة الحديد، آية: ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>