للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإن تجداه صاحبا تجدا رجلاً عربياً، وتصيبا عنده ما تريدان، وإن تجداه وبه بعض ما يكون به، فانصرفا عنه ودعاه. فخرجنا نمشي حتى جئنا، فوجدناه بفناء داره، فسلمنا عليه فرفع رأسه إلى عُبَيد اللَّه بن عَدِيّ فقال: ابنٌ لِعَدِيّ بن الخيار أنتَ؟ قال: قلت: نعم. قال: أما واللَّه ما رأيتُك مذ ناولتك السعديّة التي أرضعتك، فإني ناولتها إياك بذي طُوىً (١)، فَلَمعت لي قدماك حين رفعتك إليها، فو اللَّه ما هو إلا أن وقفتَ عليَّ فعرفتهما (٢). فقلنا له: جئناك لتحدّثنا عن قتلكَ حمزةَ بن عبد المطلب، كيف قتلتَه (٣)؟ فقال: أما إني سأحدّثكما كما حدّثتُ رسولَ اللَّه حين سألني عن ذلك: كنت غُلاماً لجبير بن مُطعِم، وكان عَمّه طُعَيمة بن عدي قد قُتِل يوم بدر، فلما سارت قريش إلى أُحد قال لي جبير: إن قتلتَ حمزة عمُّ محمد بعمِّي فأنت عَتِيقٌ. فخرجتُ مع الناس حين خرجوا إلى أُحد، فلما التقى الناس خرجتُ أنظر حمزة وأتبصَّره، حتى رأيته مثل الجمل الأورَقِ (٤) في عُرْضِ الناس يَهُذُّ الناس (٥) بسيفه هَذًّا، ما يقوم له شيء، فو اللَّه إني لأريده واستترت منه بشجرة - أو: بحَجَر - ليدنو مني، وتقدّمني إليه سباع بن عبد العُزَّى، فلما رآه حمزة قال: إليّ يا ابن مُقَطِّعة البُظُور. وكانت أُمه خَتَّانة بمكة، فو اللَّه لكأنَّ ما أخطأ رأسه، فهَزَزتُ حَرْبتي، حتى إذا رضيت منها، دفعتها عليه، فوقعت في ثُنَّتِه (٦) حتى خرجت من بين رجليه. وخليت بينه وبينها حتى مات، ثم أتيته فأخذتُ حربتي، ثم رجعت إلى العسكر، ولم يكن لي بغيره حاجة. فلما قَدِمتُ مكة عَتَقْتُ. ثم أقمتُ بمكة حتى افتتحها رسولُ اللَّه ، فهرَبتُ إلى الطائف، فكنت بها. فلما خرجَ وفدُ أهل الطائف إلى رسول اللَّه ليسلموا، ضاقت عليّ الأرضُ وقلت: ألحق بالشام أو باليمن، أو بِبعض البلاد.

فإني لفي ذلك إذ قال لي رجل: ويحك! إنه واللَّه ما يقتل أحداً من الناس دَخَل في دينه. فلما قال لي ذلك

خرجتُ حتى قدمت على رسول اللَّه المدينةَ، فلم يَرُعه إلا وأنا قائم على رأسه، أشهد شهادةَ الحق، فلما رآني قال: وحشي؟ قلت: نعم. قال: اقعد فحدثني كيف قتلتَ حمزة.

فحدثتُه كما حدثتُكما. فلما فَرَغْتُ من حديثي قال: ويحك! غَيِّب وجهك عنى، فلا أراك.


(١) ذو طوى: موضع بمكة.
(٢) في المطبوعة: «فعرفتها». والمثبت عن السيرة، والمصورة.
(٣) في المطبوعة والمصورة: «حين قتلته». والمثبت عن السيرة.
(٤) الجمل الأورق: الّذي لونه بين الغيرة والسوداء، وصفه كذلك لما عليه من الغبار.
(٥) في سيرة ابن هشام: «يهد الناس بسيفه هدا»، بالدال المهملة. والصواب ما في أسد الغابة، ففي اللسان «وهذا بالسيف هذا: قطعه».
(٦) الثنة- بضم الثاء-: العانة.

<<  <  ج: ص:  >  >>