للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عن أمه رقيقة - قال: وكانت لدة (١) عبد المطلب بن هاشم - قالت: تتابعت على قريش سنون أقحلت الضرع، وأدقّت العظم، فبينا أنا راقدة - اللَّهمّ أو مهوّمة - إذ أنا بهاتف يصرخ بصوت صحل (٢)، يقول: يا معشر قريش، إن هذا النبي مبعوث، قد أظلتكم أيامه، وهذا إبّان نجومه، فحيّ هلا بالحيا والخصب، ألا فانظروا رجلا منكم وسيطا، عظاما جساما، أبيض بضّا، أوطف الأهداب، سهل الخدين، أشمّ العرنين، له فخر يكظم عليه، وسنّة تهدى إليه، فليخلص هو وولده، وليهبط إليه من كل بطن رجل فليشنّوا من الماء، وليمسّوا من الطيب، وليستلموا الركن، ثم ليرقوا أبا قبيس، ثم ليدع الرجل، وليؤمن القوم فغثتم ما شئتم.

فأصبحت - علم اللَّه - مذعورة، اقشعرّ جلدي، ودله عقلي (٣)، واقتصصت رؤياي، ونمت في شعاب مكة، فو الحرمة والحرم ما بقي بها أبطحي إلا قال: هذا شيبة الحمد. وتناهت إليه رجالات قريش، وهبط إليه من كل بطن رجل، فشنّوا ومسّوا واستلموا، ثم ارتقوا أبا قيس، واصطفوا حوله ما يبلغ سعيهم مهلة، حتى إذا استووا بذروة الجبل، قام عبد المطلب ومعه رسول اللَّه غلام قد أيفع، أو كرب، فرفع يديه فقال: اللَّهمّ سادّ الخلّة، وكاشف الكربة، أنت معلّم غير معلّم، ومسئول غير مبخّل، وهذه عبداؤك وإماؤك بعذرات حرمك، يشكون إليك سنتهم التي أذهبت الخف والظلف، اللَّهمّ فأمطر علينا مغدقا مرتعا. فو ربّ الكعبة ما راموا حتى تفجرت السماء بما فيها، واكتظ الوادي بثجيجه، فسمعت شيخان قريش وجلّتها:

عبد اللَّه بن جدعان، وحرب بن أمية، وهشام بن المغيرة يقولون لعبد المطلب: هنيئا لك أبا البطحاء، أي: عاش بك أهل البطحاء. وفي ذلك تقول رقيقة:

بشيبة الحمد أسقى اللَّه بلدتنا … وقد فقدنا الحيا واجلوّذ المطر

فجاد بالماء جوني له سبل … سحّا، فعاشت به الأنعام والشّجر

منّا من اللَّه بالميمون طائره … وخير من بشرّت يوما به مضر

مبارك الأمر يستسقى الغمام به … ما في الأنام له عدل ولا خطر

أخرجه أبو نعيم وأبو موسى، وقال أبو موسى: هذا حديث حسن عال، في هذا الحديث غريب نشرحه مختصرا.


(١) سيأتي في نهاية الترجمة شرح ابن الأثير لغريب هذا الحديث، وسنشرح ما أغفله.
(٢) أي: فيه بحة.
(٣) أي: نحير.

<<  <  ج: ص:  >  >>