للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إلاّ أنه مرّ بنا رجل مبارك، من حاله كذا وكذا، قال: صِفيه يا أم معبد، قالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخَلْق، لم تعبه ثُجْلَة، ولم تزر به صعلة، وسيم قسيم، في عينيه دَعَجَ، وفي أشفاره وَطَفَ، وفي صوته صَحَل، وفي عنقه سَطَع، وفي لحيته كَثَافَة، أزَجّ أقرن، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلّم سمّا وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاه من بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق، فَصْل، لا نَزْر ولا هَذْر، كأن منطقه خَرَزَات نظم يَتَحَدّرْن، رَبْعة لا بائن من طول، ولا تزدريه عين من قِصَر، غُصْن بين غُصْنَين، وهو أنضر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مُفَنَّد.

قال أبو معبد: هذا واللَّه صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة، ولقد هممت أن أصْحَبَه، ولأفعلنّ إن وجدت سبيلاً. فأصبح صوت بمكة عال، يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه، وهو يقول (١):

جزى اللَّه ربَّ الناس خير جزائه … رفيقين قالا (٢) خَيْمَتَيْ أم مَعْبَدِ

هما نزلاها بالهدى واهتدت به … فقد فاز من أمسى رفيق محمدِ

فيالَ قُصَيّ ما زوى اللَّه عنكم … به من فعال لا يجارى وسؤددِ (٣)

لِيَهْنِ (٤) بني كعب مقام فتاتهم … ومقعدها للمؤمنين بمرصدِ

سلوا أختكم عن شاتها وإنائها … فإنكم إن تسألوا الشاة تشهدِ

دعاها بشاة حائلٍ (٥) فتحلّبت … عليه صريحاً ضرةُ الشاة مزبدِ (٦)

فغادرها رهناً لديها لحالبٍ … يرددها في مصدر ثم موردِ

فلما سمع بذلك حسان بن ثابت شبب يجاوب الهاتف، فقال (٧):

لقد خاب قومٌ زال (٨) عنهم نبيّهم … وقُدِّس من يسري إليهم ويغتدي

تَرَحَّلَ عن قوم فضِلَّت عقولهم … وحلّ علي قومٍ بنور مُجدَّدِ

هداهم به بعد الضلالة ربهم … وأرشدهم من يتبع الحق يَرْشَدِ

وهل يستوي ضُلاَّل قومٍ تسفّهوا … [عمي وهداة يهتدون بمهتدِ (٩)]

وقد نزلت منه على أهل يثربٍ … ركاب هُدَىً حلّت عليهم بأسْعُدِ

نبي يرى ما لا يرى الناس حوله … ويتلو كتاب اللَّه في كل مسجدِ

وإن قال في يوم مقالة غائبٍ … فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد


(١) الأبيات في ديوان حسان: ٧٨، ٧٩.
(٢) قالا من القيلولة، وهي النوم في منتصف النهار.
(٣) الرواية في ديوان حسان: به من فخار لا يبارى، وفي الأصل: يجازى.
(٤) أي: ليفرح.
(٥) الحائل: التي لم تلقح سنة أو سنتين أو سنوات.
(٦) الرواية في الديوان: له بصريح …
(٧) ديوان حسان: ٨٠، ٨١.
(٨) في الديوان: غاب.
(٩) عن ديوانه، وشرح ديوان حسان للبرقوقى ٨٨، وفي المطبوعة:
عمايتهم وهاد به كل مهتد.
وفي الأصل: عمايتهم عاد به كل مهتد.

<<  <  ج: ص:  >  >>