للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كجمر دحرجته على رجلك فنفطت (١) فتراه منتبرا وليس فيه شيء، ثم أخذ حصاة فدحرجها على رجله، قال: فيصبح الناس فيتبايعون لا يكاد أحد يؤدى الأمانة، حتى يقال: إن في بنى فلان رجلا أمينا، وحتى يقال للرجل: ما أجلده وأظرفه وأعقله، وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان. قال: ولقد أتى على زمان ما أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلما ليردنه عليّ دينه، ولئن كان يهوديا أو نصرانيا ليردنه عليّ ساعيه (٢)، وأما اليوم فما كنت لأبايع إلا فلانا وفلانا.

روى زيد بن أسلم، عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال لأصحابه: تمنوا، فتمنوا ملء البيت الّذي كانوا فيه مالا وجواهر ينفقونها في سبيل اللَّه، فقال عمر: لكني أتمنى رجالا مثل أبى عبيدة، ومعاذ بن جبل، وحذيفة بن اليمان، فأستعملهم في طاعة اللَّه ﷿، ثم بعث بمال إلى أبى عبيدة، وقال: انظر ما يصنع، فقسمه، ثم بعث بمال إلى حذيفة، وقال: انظر ما يصنع، قال: فقسمه، فقال عمر: قد قلت لكم.

وقال ليث بن أبي سليم (٣): لما نزل بحذيفة الموت جزع جزعا شديدا وبكى بكاء كثيرا، فقيل:

ما يبكيك؟ فقال: ما أبكى أسفا على الدنيا، بل الموت أحب إليّ، ولكني لا أدرى علام أقدم، على على رضى أم على سخط؟ وقيل: لما حضره الموت قال: هذه آخر ساعة من الدنيا، اللَّهمّ، إنك تعلم أنى أحبك، فبارك لي في لقائك ثم مات.

وكان موته بعد قتل عثمان بأربعين ليلة، سنة ست وثلاثين.

وقال محمد بن سيرين: كان عمر إذا استعمل عاملا كتب عهده: وقد بعثت فلانا وأمرته بكذا، فلما استعمل حذيفة على المدائن كتب في عهده: أن اسمعوا له وأطيعوا وأعطوه ما سألكم، فلما قدم المدائن استقبله الدهاقين (٤)، فلما قرأ عهده، قالوا: سلنا ما شئت، قال: أسألكم طعاما آكله وعلف حماري ما دمت فيكم، فأقام فيهم، ثم كتب إليه عمر ليقدم عليه، فلما بلغ عمر قدومه كمن له على الطريق، فلما رآه عمر على الحال التي خرج من عنده عليها، أتاه فالتزمه، وقال: أنت أخي وأنا أخوك.

أخرجه ثلاثتهم.

غريبه:

الجذر: الأصل، وجذر كل شيء: أصله، وتفتح الجيم وتكسر. والمجل: يقال مجلت يده تمجل مجلا، ومجلت تمجل مجلا، إذا ثخن جلدها وتعجّر حتى يظل أثرها مثل أثر المجل (٥). المنتبر:


(١) يعنى: قرحت.
(٢) يعنى رئيسهم الّذي يصدرون عن رأيه ولا يمضون أمرا دونه.
(٣) ينظر ميزان الاعتدال: ٣/ ٤٣٠.
(٤) الدهقان: رئيس القرية.
(٥) كذا، وفي النهاية بعد قوله «وتعجر»: وظهر فيها ما يشبه البثر، من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>