للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إلى أن ترك الملك والدنيا، رغبة فيما عند اللَّه تعالى، وكان يقول: ما أحببت أن ألِيَ أمر أمة محمد على أن يهراق في ذلك مِحْجَمَة دم، وكان من المبادرين إلى نصرة عثمان بن عفان.

وولى الخلافة بعد قتل أبيه علي ، وكان قتل علي لثلاث عشرة بقيت من رمضان من سنة أربعين، وبايعه أكثر من أربعين ألفاً، كانوا قد بايعوا أباه على الموت، وكانوا أطوع للحسن، وأحب له. وبقي نحو سبعة أشهر خليفة بالعراق، وما وراءه من خراسان والحجاز واليمن وغير ذلك، ثم سار معاوية إليه من الشام، وسار هو إلى معاوية، فلما تقاربا علم أنه لن تغلب إحدى الطائفتين حتى يقتل أكثر الأخرى، فأرسل إلى معاوية يبذل له تسليم الأمر إليه، على أن تكون له الخلافة بعده، وعلى أن لا يطلب أحداً من أهل المدينة والحجاز والعراق بشيء مما كان أيام أبيه، وغير ذلك من القواعد، فأجابه معاوية إلى ما طلب، فظهرت المعجزة النبوية في

قوله : إن ابني هذا سيد يصلح اللَّه به بين فئتين من المسلمين.

وأيُّ شرف أعظم من شرف من سماه رسول اللَّه سيداً؟

أخبرنا أبو محمد القاسم بن علي بن الحسن الدمشقي إجازة، أخبرنا أبي، أخبرنا أبو السعود، حدثنا أحمد بن محمد بن المجلى، أخبرنا محمد بن محمد بن أحمد العكبري، أخبرنا محمد بن أحمد بن خاقان، أخبرنا أبو بكر بن دريد قال: قام الحسن بعد موت أبيه أمير المؤمنين فقال بعد حمد اللَّه ﷿: إنا واللَّه ما ثنانا عن أهل الشام شك ولا ندم، وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر، فسلبت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع، وكنتم في منتدبكم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم، فأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم، ألا وإنا لكم كما كنا، ولستم لنا كما كنتم، ألا وقد أصبحتم بين قتيلين: قتيلٍ بصفين تبكون له، وقتيل بالنهروان تطلبون بثأره، فأما الباقي فخاذل، وأما الباكي فثائر، ألا وإن معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عز ولا نَصَفَة، فإن أردتم الموت رددناه عليه، وحاكمناه إلى اللَّه ﷿ بِظُبَا (١) السيوف، وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضا، فناداه القوم من كل جانب: البقيةَ البقيةَ، فلما أفردوه أمضى الصلح».

أخبرنا إبراهيم بن محمد بن مِهْران الفقيه وغير واحد، قالوا بإسنادهم إلى أبي عيسى الترمذي قال: حدّثنا محمود بن غيلان، أخبرنا أبو داود الطيالسي، أخبرنا القاسم بن الفضل الحُدَّاني (٢)، عن يوسف بن سعد.

قال: قام رجل إلى الحسن بن علي بعد ما بايع معاوية، فقال: سَوَّدْتَ وجوه المؤمنين، أو: يا مُسَوّد وجوه المؤمنين، فقال: لا تُؤَنِّبْنِي، رحمك اللَّه، فإن النبي أرى بني أمية على منبره فساءه ذلك، فنزلت:

﴿إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ (٣) تملكها بعدي بنو أمية.

وقد اختلف في الوقت الذي سلَّم فيه الحسن الأمر إلى معاوية، فقيل: في النصف من جمادى الأولى


(١) ظبة السيف: حده: وجمعه: ظبا.
(٢) في المطبوعة: الحراني، ينظر خلاصة التذهيب: ٢٦٦.
(٣) القدر: ١، ٢، ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>