للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَائِشَةَ احْتُبِسَتْ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا حَبَسَكِ؟ قَالَتْ: سَمِعْتُ قَارِئًا يَقْرَأُ. فَذَكَرَتْ مِنْ حُسْنِ قِرَاءَتِهِ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ وَخَرَجَ، فَإِذَا هُوَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ فَقَالَ: الْحَمْدُ للَّه الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مِثْلَكَ.

وكان عمر بْن الخطاب رضي اللَّه عنه يكثر الثناء عليه، حتى قال لما أوصى عند موته: لو كان سالم حيًّا ما جعلتها شورى. قال أَبُو عمر: معناه أَنَّهُ كان يصدر عَنْ رأيه فيمن يوليه الخلافة.

وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بينه وبين معاذ بن ما عض.

وكان أَبُو حذيفة قد تبناه كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بْن حارثة، فكان أَبُو حذيفة يرى أَنَّهُ ابنه، فأنكحه ابنة أخيه فاطمة بنت الْوَلِيد بْن عتبة، وهي من المهاجرات، وكانت من أفضل أيامى قريش، فلما أنزل اللَّه تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ ٣٣: ٥ [١] رد كل أحد تبنى ابنًا من أولئك إِلَى أبيه، فإن لم يعلم أبوه رد إِلَى مواليه فجاءت سهلة بنت سهيل بْن عمرو العامرية إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت- مَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو الْفَرَجِ يَحْيَى بْنُ مَحْمُودِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَبُو يَاسِرٍ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَبَّةَ بِإِسْنَادَيْهِمَا إِلَى مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ جَمِيعًا، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ القاسم هو ابن محمد بن أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأَهْلِهِ فِي بَيْتِهِمْ، فَأَتَتْ- يَعْنِي سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ- النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ سَالِمًا بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ، وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا، وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا، وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا.

فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ وَيَذْهَبُ مَا فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ. فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ. فَأَخَذَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةُ، وَأَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وشهد سالم بدرا، وأحدا، والخندق، والمشاهد كلها مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقتل يَوْم اليمامة شهيدًا، أَخْبَرَنَا يحيى بْنُ أَسْعَدَ بْنِ بَوْشٍ، أخبرنا أبو غالب بن البناء، أخبرنا أبو الحسن بْنُ الآبْنُوسِيِّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَتْحِ الْجِلِّيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ مُوسَى، أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَنْظَلَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ قِيلَ لَهُ يَوْمَئِذٍ، يَعْنِي يَوْمَ الْيَمَامَةِ فِي اللِّوَاءِ أَنْ يَحْفَظَهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: نَخْشَى مِنْ نَفْسِكَ شَيْئًا فَنُوَلِّي اللِّوَاءَ غَيْرَكَ، فَقَالَ: بِئْسَ حَامِلُ الْقُرْآنِ أَنَا إِذًا، فَقُطِعَتْ يَمِينُهُ فَأَخَذَ اللِّوَاءَ بِيَسَارِهِ، فَقُطِعَتْ يَسَارُهُ فَاعْتَنَقَ اللِّوَاءَ، وَهُوَ يَقُولُ: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ [٢] ٣: ١٤٤ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ [٣] ٣: ١٤٦ فَلَمَّا صُرِعَ قَالَ لأَصْحَابِهِ: مَا فَعَلَ أَبُو حُذَيْفَةَ؟ قِيلَ:

قُتِلَ. قَالَ: فَمَا فَعَلَ فُلانٌ؟ لِرَجُلٍ سَمَّاهُ، قِيلَ: قُتِلَ. قَالَ: فَأَضْجِعُونِي بَيْنَهُمَا.

ولما قتل أرسل عمر بميراثه إِلَى معتقته ثبيتة بنت يعار، فلم تقبله، وقالت: إنما أعتقته سائبة [٤] ، فجعل عمر ميراثه في بيت المال.


[١] الأحزاب: ٥.
[٢] آل عمران: ١٤٤.
[٣] آل عمران: ١٤٦.
[٤] إذا أعتق العبد سائبة فلا يكون ولاؤه لمعتقه، ولا وارث له.

<<  <  ج: ص:  >  >>