للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

من أمور الدين، إنما ثبتت بعد معرفة رجال أسانيدها ورواتها، وأولهم والمقدم عليهم أصحاب رسول اللَّه ؛ فإذا جهلهم الإنسان كان بغيرهم أشد جهلا، وأعظم إنكارا، فينبغي أن يعرفوا بأنسابهم وأحوالهم هم وغيرهم من الرواة، حتى يصح العمل بما رواه الثقات منهم، وتقوم به الحجة، فان المجهول لا تصح روايته، ولا ينبغي العمل بما رواه، والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلا في الجرح والتعديل، فإنهم كلهم عدول لا يتطرق إليهم الجرح؛ لأن اللَّه ﷿ ورسوله زكياهم وعدلاهم، وذلك مشهور لا نحتاج لذكره، ويجيء كثير منه في كتابنا هذا، فلا نطول به هنا.

وقد جمع الناس في أسمائهم كتبا كثيرة، ومنهم من ذكر كثيرا من أسمائهم في كتب الأنساب والمغازي وغير ذلك، واختلفت مقاصدهم فيها، إلا أن الّذي انتهى إليه جمع أسمائهم الحافظان أبو عبد اللَّه ابن منده (١) وأبو نعيم أحمد بن عبد اللَّه الأصفهانيان (٢)، والإمام أبو عمر بن عبد البر (٣) القرطبي ، وأجزل ثوابهم، وحمد سعيهم، وعظم أجرهم وأكرم مآبهم، فلقد أحسنوا فيما جمعوا، وبذلوا جهدهم وأبقوا بعدهم ذكرا جميلا؛ فاللَّه تعالى يثيبهم أجرا جزيلا؛ فإنهم جمعوا ما تفرق منه.

فلما نظرت فيها رأيت كلا منهم قد سلك في جمعه طريقا غير طريق الآخر، وقد ذكر بعضهم أسماء لم يذكرها صاحبه، وقد أتى بعدهم الحافظ أبو موسى محمد بن أبي بكر بن أبي عيسى الأصفهاني (٤)، فاستدرك على ابن منده ما فاته في كتابه، فجاء تصنيفه كبيرا نحو ثلثي كتاب ابن منده.

فرأيت أن أجمع بين هذه الكتب، وأضيف إليها ما شذ عنها مما استدركه أبو علي الغساني (٥)، على أبى عمر بن عبد البر، كذلك أيضا ما استدركه عليه آخرون وغير من ذكرنا فلا نطول بتعداد أسمائهم هنا، ورأيت ابن منده وأبا نعيم وأبا موسى عندهم أسماء ليست عند ابن عبد البر، وعند ابن عبد البر أسماء ليست عندهم. فعزمت أن أجمع بين كتبهم الأربعة، وكانت العوائق تمنع والأعذار تصد عنه، وكنت حينئذ ببلدى وفي وطني، وعندي كتبي وما أراجعه من أصول سماعاتي، وما أنقل منه، فلم يتيسر ذلك لصداع الدنيا وشواغلها.


(١) هو أبو عبد اللَّه محمد بن يحيى بن منده، كان أحد الحفاظ الثقات. توفى سنة ٣٠١، ينظر الوفيات: ٣ - ٤١٦ والعبر، ٢ - ١٢٠.
(٢) قال عنه الذهبي في العبر ٣ - ١٧٠: «تفرد في الدنيا بعلو الإسناد مع الحفظ والاستبحار من الحديث وفنونه … وصنف التصانيف الكبار» توفى سنة ٤٣٠ هـ وينظر الوفيات: ١ - ٧٥.
(٣) هو أبو عمر يوسف بن عبد اللَّه بن محمد بن عبد البر، صاحب كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب، له تصانيف أخرى، قال الذهبي: «ليس لأهل المغرب أحفظ منه» توفى سنة ٤٦٣.
(٤) هو أبو موسى المديني محمد بن أبي بكر عمر بن أحمد الحافظ، يقول الذهبي في العبر ٤ - ٢٤٦: «كان مع براعته في الحفظ والرجال صاحب ورع وعبادة وجلالة وتقى» توفى في جمادى الأولى سنة ٥٨١.
(٥) هو الحسين بن محمد الجياني الأندلسي الحافظ، كان أحد أعلام الحديث بقرطبة، روى عن ابن عبد البر وطبقته، توفى سنة ٤٩٨. وقد ذكر السهيليّ في الروض الأنف ٢ - ١٩٨ أن أبا على قد ألحق استدراكاته بالاستيعاب، وأن أبا عمر أوصى أبا على بقوله: «أمانة اللَّه في عنقك متى عثرت على اسم من أسماء الصحابة» إلا ألحقته في كتابي الّذي في الصحابة».

<<  <  ج: ص:  >  >>