للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وغيره، فلا يخلو من نوع تفريط تمكَّن به المختلسُ من اختلاسه، وإلا فمع كمال التحفظ والتيقظ لا يمكنه الاختلاس. فليس كالسارق، بل هو بالخائن [٢٨٤/أ] أشبه.

وأيضًا فالمختلس إنما يأخذ المال من غير حِرز مثلِه غالبًا، فإنه الذي يغافلك ويختلس متاعك في حال تخلِّيك عنه وغفلتك عن حفظه. وهذا يمكن الاحتراز منه غالبًا، فهو كالمنتهب.

وأما الغاصب، فالأمر فيه ظاهر. وهو أولى بعدم القطع من المنتهب، ولكن يسوغ كفُّ عدوان هؤلاء بالضرب والنَّكال، والسجن الطويل، والعقوبة بأخذ المال، كما سيأتي.

فإن قيل: فقد وردت السنة بقطع جاحد العاريَّة، وغايته أنه خائن. والمعيرُ سلَّطَه على قبض ماله. والاحتراز منه ممكن بأن لا يدفع إليه المال، فبطَلَ ما ذكرتم من الفرق.

قيل: لعمرُ الله لقد صحَّ الحديث بأن امرأةً كانت تستعير المتاع وتجحده، فأمر بها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فقُطِعت يدها (١). فاختلف الفقهاء في سبب القطع: هل كان سرقتها؟ وعرَّفها الراوي بصفتها، لا أنَّ (٢) المذكور سبب القطع كما يقوله الشافعي وأبو حنيفة ومالك، أو كان السبب المذكور هو سبب القطع كما يقوله أحمد ومَن وافقه؟ ونحن في هذا المقام لا ننتصر لمذهب معين البتة، فإن كان الصحيح قول الجمهور اندفع السؤال. وإن كان


(١) أخرجه مسلم (١٦٨٨) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٢) في المطبوع: «لأن»، وهو خطأ.