للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

في الرأي المحمود، وهو أنواع

النوع الأول: رأيُ أفقهِ الأمة، وأبرِّ الأمة قلوبًا، وأعمقِهم علمًا، وأقلِّهم تكلُّفًا، وأصحِّهم قُصودًا، وأكملِهم فطرةً، وأتمِّهم إدراكًا، وأصفاهم أذهانًا، الذين شاهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، وفهموا مقاصد الرسول. فنسبةُ آرائهم وعلومهم وقصودهم إلى ما جاء به الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - كنسبتهم إلى صحبته؛ والفرقُ بينهم وبين مَن بعدهم في [٤٤/أ] ذلك كالفرق بينهم وبينهم في الفضل؛ فنسبةُ رأي مَن بعدهم إلى رأيهم كنسبة قدرهم إلى قدرهم.

قال الشافعي - رحمه الله - في "رسالته البغدادية" (١) التي رواها عنه الحسن بن محمد الزعفراني، وهذا لفظه: "وقد أثنى الله تبارك وتعالى على أصحاب رسوله - صلى الله عليه وسلم - في القرآن والتوراة والإنجيل، وسبَقَ لهم على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الفضل ما ليس لأحد بعدهم. فرحِمَهم الله، وهنَّأهم بما آتاهم (٢) من ذلك ببلوغ أعلى منازل الصديقين والشهداء والصالحين. أدَّوا إلينا سننَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشاهَدوه والوحيُ ينزل عليه، فعلِموا ما أراد رسول


(١) يعني الرسالة القديمة. وقد نقل منها هذا النصَّ البيهقي في "مناقب الشافعي" (١/ ٤٤٢ - ٤٤٣) وهو مصدر المصنف، صرَّح بذلك في آخر الكتاب ونقل جملًا منه. وأورد البيهقي أيضًا في "المدخل" (ص ٤١) من أوله إلى قوله: "والشهداء والصالحين".
(٢) س، ت: "أثابهم"، وفي غيرها ما يشبهه. وفي ح قبله: "على"، فضرب عليه بعضهم وكتب في الحاشية: "ما" كما في "المدخل": "ما آتاهم". والمثبت من "المناقب"، وكذا في النسخ المطبوعة.