للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ــ ومعنى كلامه: إن شاء الله أن تكوني (١) في المستقبل طالقًا فأنت طالق ــ وقع أيضًا؛ لأن مشيئة الله طلاقَها الآن يوجب طلاقها في المستقبل؛ فيعود معنى الكلام إلى أني إن طلَّقتك الآن بمشيئة الله فأنت طالق، وقد طلَّقها بمشيئته، فتطلَّق. فهاهنا ثلاث دعاوٍ: إحداها: أنه طلّقها، والثانية: أن الله شاء ذلك، والثالثة: أنها قد طُلِّقت؛ فإن صحّت الدعوى الأولى صحت الأخريانِ، وبيان صحتها أنه تكلم بلفظ صالح للطلاق، فيكون طلاقًا، وبيان الثانية: أنه حادث؛ فيكون بمشيئة الله، فقد شاء الله طلاقَها فتطلَّق. فهذا غاية ما تمسَّك به المُوقِعون.

قال المانعون: أنتم معاشرَ المُوقِعين قد ساعدتمونا على صحة تعليق الطلاق بالشرط، ولستم ممن يُبطله كالظاهرية وغيرهم كأبي عبد الرحمن الشافعي، فقد كفيتمونا نصفَ المؤنة، وحملتم عنا كُلفةَ الاحتجاج لذلك، فبقي الكلام معكم في صحة هذا التعليق المعيّن، هل هو صحيح أم لا؟

فإن ساعدتمونا على صحة التعليق قَرُبَ الأمر وقطعنا نصف المسافة الباقية. ولا ريبَ أن التعليق صحيح؛ إذ لو كان محالًا لما صحَّ تعليق اليمين والوعد والنذر وغيرها بالمشيئة، ولكان ذلك لغوًا لا يفيد، وهذا بيّن البطلان عند جميع الأمة، فصح التعليق حينئذٍ، فبقي بيننا وبينكم منزلة أخرى، وهي أنه هل وجود هذا الشرط ممكن أم لا؟

فإن ساعدتمونا على الإمكان ــ ولا ريبَ في هذه المساعدة ــ قرُبَت المسافة جدًّا، وحصلت المساعدةُ على أنه طلاق معلَّق صح تعليقه على شرط ممكن، فبقيت منزلة أخرى، وهي أن تأثير الشرط وعمله يتوقَّف على


(١) ك، ب: «يكون»، خطأ.