للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أسلفتَ رجلًا سلفًا فلا تأخذ منه هدية ولا عارية ركوب دابة (١).

فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - هو وأصحابه المقرِضَ عن قبول هدية المقترض قبل الوفاء؛ لأن المقصود بالهدية أن يؤخّر الاقتضاء وإن كان لم يشترط ذلك سدًّا لذريعة الربا، فكيف تجوز الحيلة على الربا؟ ومن لم يَسُدَّ الذرائع ولم يُراعِ المقاصد ولم يحرِّم الحيل يبيح ذلك كله، وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهَدْي أصحابه أحقُّ أن يتبع. وقد تقدم تحريمُه السلفَ والبيعَ لأنه يُتخذ حيلةً إلى الربا.

ويدل على تحريم الحيل الحديث الصحيح، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يُجمَع بين متفرق ولا يُفرَّق بين مجتمع خشيةَ الصدقة» (٢). وهذا نصٌّ في تحريم الحيلة المفضية إلى [٥٨/أ] إسقاط الزكاة أو تنقيصها بسبب الجمع والتفريق، فإذا باع بعض النصاب قبل تمام الحول تحيُّلًا على إسقاط الزكاة فقد فرّق بين المجتمع، فلا تسقط الزكاة عنه بالفرار منها.

ومما يدلُّ على تحريمها قوله تعالى: {وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: ٦]، قال المفسرون من السلف ومن بعدهم: لا تُعطِ عطاء تطلب أكثر منه، وهو أن تُهدِي ليُهدَى إليك أكثر مما أهديتَ.

وهذا كله يدلُّ على أن صور العقود غير كافية في حِلّها وحصول أحكامها إلا إذا لم يقصد بها قصدًا فاسدًا، وكلُّ ما لو شرطه في العقد كان


(١) رواه عبد الرزاق (١٤٦٥٠) وابن أبي شيبة (٢١٠٥٨).
(٢) رواه البخاري (١٤٥٠) من حديث أبي بكر - رضي الله عنه -.