للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

الأصل الثاني: أن جميع المتلفات تضمن بالجنس بحسب الإمكان مع مراعاة القيمة، حتى الحيوان فإنه إذا اقترضه ردَّ مثله، كما اقترض النبي - صلى الله عليه وسلم - بَكْرًا، وردَّ خيرًا منه (١). وكذلك المغرور يضمن ولده بمثلهم كما قضت به الصحابة (٢). وهذا أحد القولين في مذهب أحمد وغيره. وقصة داود وسليمان من هذا الباب، فإن الماشية كانت قد أتلفت حرثَ القوم، فقضى داود بالغنم لأصحاب الحرث، كأنه ضمَّنهم ذلك بالقيمة. ولم يكن لهم مال إلا الغنم، فأعطاهم الغنم (٣) [٢٦٠/أ] بالقيمة. وأما سليمان فحَكَم بأن أصحاب الماشية يقومون على الحرث حتى يعود كما كان، فضمَّنهم إياه بالمثل، وأعطاهم الماشية يأخذون منفعتها عوضًا عن المنفعة التي فاتت من غلَّة الحرث إلى أن يعود.

وبذلك أفتى الزهري لعمر بن عبد العزيز فيمن أتلف له شجر. فقال الزهري: يغرسه حتى يعود كما كان. وقال ربيعة وأبو الزناد (٤): عليه القيمة. فغلَّظ الزهري القولَ فيهما. وقول الزهري وحكم سليمان هو موجَب الأدلة، فإن الواجب ضمان المتلف بالمثل بحسب الإمكان، كما قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠]، وقال: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا


(١) سبق تخريجه.
(٢) يُنظر: «المصنف» لعبد الرزاق (١٣١٥٥، ١٣١٥٦)، و «الاستذكار» لابن عبد البر (٧/ ١٧٦).
(٣) «الغنم» ساقط من ح، ف.
(٤) في «مجموع الفتاوى» (٢٠/ ٥٦٤): «وقيل: ربيعة وأبو الزناد قالا».