للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سأله عن تفسير آية: وما يؤمِنُك أني لو أخبرتُك بتفسيرها كفرتَ به؟ (١)، أي جحدتَه، وأنكرته، وكفرت به. ولم يرد أنك تكفر بالله ورسوله.

الفائدة الثانية: يجوز للمفتي أن يعدِل عن جواب المستفتي عما سأله عنه إلى ما هو أنفع له منه، ولا سيما إذا تضمَّن ذلك بيانَ ما سأل عنه؛ وذلك من كمال علم المفتي وفقهه ونصحه. وقد قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢١٥]. فسألوه عن المنفق، فأجابهم بذكر المصرف، إذ هو أهمُّ مما سألوا عنه. ونبَّههم عليه بالسياق، مع ذكره لهم في موضع آخر، وهو قوله تعالى: {قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: ٢١٩] وهو ما سهل عليهم إنفاقه، ولا يضرُّهم إخراجه.

وقد ظنَّ بعضهم أن من ذلك قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: ١٨٩]. فسألوه عن سبب ظهور الهلال خفيًّا، ثم لا يزال يتزايد فيه النور على التدريج حتى يكمل، ثم يأخذ في النقصان. فأجابهم عن حكمة ذلك من ظهور مواقيت الناس التي بها تمامُ مصالحهم في أحوالهم ومعاشهم ومواقيت أكبر عباداتهم (٢) وهو الحج. فإن كانوا قد سألوا عن السبب، فقد أجيبوا بما هو أنفع لهم مما سألوا عنه. وإن كانوا إنما


(١) نقله المؤلف في «روضة المحبين» (ص ٤٢٦) أيضًا. وقد رواه ابن جرير في تفسيره (٢٣/ ٧٨). وعزاه السيوطي في «الدر المنثور» (٨/ ٢١٠) إلى عبد بن حميد وابن الضريس أيضًا. انظر: «فضائل القرآن» لابن الضريس (ص ٢٦).
(٢) في المطبوع: «أكبر عبادة من عباداتهم»، وفي الطبعات السابقة: «أكبر عبادتهم».