للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلُّهم على إثبات (١) ما نطق به الكتاب والسنة كلمةً واحدةً، من أولهم إلى آخرهم. لم يسوموها تأويلًا، ولم يحرِّفوها عن مواضعها تبديلًا، ولم يبدُوا لشيء منها إبطالًا (٢)، ولا ضربوا لها أمثالًا، ولم يدفعوا في صدورها وأعجازها، ولم يقل أحد منهم: يجب صرفُها عن حقائقها وحملُها على مجازها. بل تلقَّوها بالقبول والتسليم، وقابلوها بالإيمان والتعظيم، وجعلوا الأمر فيها كلِّها أمرًا واحدًا، وأجرَوها على سَنَن واحد. ولم يفعلوا كما فعل أهل الأهواء والبدع حيث جعلوها عِضين، وأقرُّوا بعضها (٣) وأنكروا بعضها من غير فرقان مبين، مع أن اللازم لهم فيما أنكروه كاللازم فيما أقرُّوا به وأثبتوه.

[٢٦/ب] والمقصود: أن أهل الإيمان لا يُخرجهم تنازعُهم في بعض مسائل الأحكام عن حقيقة الإيمان, إذا ردُّوا ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله, كما شرَطه الله عليهم بقوله: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: ٥٩]. ولا ريب أنَّ الحكم المعلَّق على شرط ينتفي عند انتفائه (٤).

ومنها: أن قوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} نكرة في سياق الشرط تعُمُّ كلَّ ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدين: دِقَّه وجِلَّه، جليَّه وخفيَّه. ولو لم يكن


(١) "إثبات" ساقط من ت.
(٢) في حاشية ح كتب بعضهم: "إشكالًا"، كأنه اقتراح منه.
(٣) ع، ف: "ببعضها"، وكذا في النسخ المطبوعة. وكان في ح كما أثبت، فزاد بعضهم باء الجر في أوله.
(٤) وانظر: "الرسالة التبوكية" (ص ٤٧).