للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شهاب أن معاذ بن جبل كان يقول في مجلسه كلَّ يوم، قلَّما يخطئه أن يقول ذلك: الله حَكَمٌ قِسْط. هلك المرتابون. إنَّ وراءكم فِتنًا يكثر فيها المال، ويُفتَح فيها القرآن، حتى يقرأه المؤمن والمنافق والمرأة والصبي والأسود والأحمر. فيوشِك أحدهم أن يقول: قرأتُ القرآن، فما أظنُّ أن يتّبعوني حتَّى أبتدعَ لهم غيرَه. فإياكم وما ابتدع، فإنّ كلَّ بدعة ضلالة. وإياكم وزَيغةَ الحكيم، فإنّ الشيطان قد يتكلَّم على لسان الحكيم بكلمة الضلالة. وإنّ المنافق قد يقول كلمة الحق، فتلقَّوا الحقَّ عمَّن جاء به، فإنَّ على الحق نورًا. قالوا: وكيف زيغة الحكيم؟ قال: هي الكلمة تروعكم، وتنكرونها وتقولون: ما هذا؟ فاحذروا زيغته، ولا تصدَّنَّكم عنه، فإنه يوشك أن يفيء وأن يراجع الحق. وإنَّ العلم والإيمان مكانَهما إلى يوم القيامة.

والمقصود: أن الحاكم يحكم بالحجة التي ترجِّح الحقَّ إذا لم يعارضها مثلها. والمطلوبُ منه ومن كلِّ من يحكم بين اثنين أن يعلم ما يقع، ثم يحكم فيه بما يجب. فالأول مداره على [٦٠/أ] الصدق، والثاني مداره على العدل. وتمَّت كلمات ربِّك صدقًا وعدلًا، والله عليم حكيم. فالبينات والشهادات تظهر لعباده معلومة، وبأمره وشرعه يحكم بين عباده.

والحكمُ إمَّا إبداء، وإما إنشاء. فالإبداء: إخبار وإثبات، وهو شهادة. والإنشاء: أمر ونهي وتحليل وتحريم (١). "والحاكم فيه ثلاث صفات: فمن جهة الإثبات هو شاهد، ومن جهة الأمر والنهي هو مفتٍ، ومن جهة الإلزام بذلك هو ذو سلطان. وأقلُّ ما يشترط فيه: صفاتُ الشاهد" (٢) باتفاق


(١) انظر: "اختيارات البعلي" (ص ٣٣٤).
(٢) نص كلام شيخ الإسلام في المصدر المذكور (ص ٣٣٢).