للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل: لا يقدح ذلك في جواز الالتزام؛ لأنه يتبين في الآخرة (١) كم هو الواجب منه، ثم لو أقرَّ بذلك فقال: «له عليَّ ما بين درهمٍ إلى ألف» صح؛ فهكذا إذا قال: «ضمِنتُ عنه ما بين درهمٍ إلى ألف».

فإن قيل: الضامن فرعٌ على المضمون عنه، فإذا كان الأصل لم يثبت في ذمته شيء فعلى أي شيء ينبني الضمان ويتفرَّع؟

قيل: إنما يصير ضامنًا إذا ثبت في ذمة المضمونِ عنه، وإلا في الحال فليس هو ضامنًا. وإن صح أن يقال: «هو ضامن بالقوة» ففي الحقيقة هو ضمان معلَّق على شرط، وذلك جائز، والله أعلم.

المثال الستون: إذا سبق لسانه بما يؤاخَذ به في الظاهر ولم يُرِد معناه، أو أراده ثم [١٢٧/ب] رجع عنه وتاب منه، أو خاف أن يَشهد عليه به شهودُ زورٍ ولم يتكلم به، فرُفِع إلى الحاكم وادُّعِي عليه به، فإن أنكر شهدوا عليه، وإن أقرَّ حكم عليه، ولا سيما إن كان لا يرى قبول التوبة من ذلك؛ فالحيلة في الخلاص أن لا يُقرَّ به ولا يُنكر، فيشهد عليه الشهود، بل يكفيه في الجواب أن يقول: «إن كنتُ قلته فقد رجعتُ عنه، وأنا تائب إلى الله منه»، وليس للحاكم بعد ذلك أن يقول: لا أكتفي منك بهذا الجواب، بل لا بدَّ من الإقرار أو الإنكار، فإن هذا جواب كافٍ (٢) في مثل هذه الدعوى، وتكليفُه بعد ذلك خُطَّة الخَسْف بالإقرارِ وقد يكون كاذبًا فيه، أو الإنكارِ وقد تاب منه بينه وبين الله تعالى، فيشهد عليه الشهود= ظلمٌ وباطل؛ فلا يحلُّ للحاكم أن يسأله بعد هذا هل وقع منه ذلك أو لم يقع.


(١) ك: «الأجرة».
(٢) ك: «كان»، تحريف.