للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل (١)

والمتأخرون أحدثوا حيلًا لم يصح القول بها عن أحد من الأئمة، ونسبوها إلى الأئمة، وهم مخطئون في نسبتها إليهم، ولهم مع الأئمة موقف بين يدي الله. ومن عرف سيرة الشافعي وفضله ومكانه من الإسلام علم أنه لم يكن معروفًا بفعل الحيل، ولا بالدلالة عليها، ولا كان يشير على مسلمٍ بها.

وأكثر الحيل التي ذكرها المتأخرون المنتسبون إلى مذهبه من تصرفاتهم، تلقَّوها عن المشرقيين، وأدخلوها في مذهبه، وإن كان رحمه الله تعالى يُجري العقود على ظاهرها، ولا ينظر إلى قصد العاقد ونيته، كما تقدم حكاية كلامه. فحاشاه ثم حاشاه أن يأمر الناس بالكذب والخداع والمكر والاحتيال وما لا حقيقة له، بل ما يتيقن أن باطنه خلاف ظاهره، ولا يُظَنّ بمن دون الشافعي من أهل العلم والدين أنه يأمر أو يبيح ذلك؛ فالفرق بين أن لا يَعتبر القصدَ في العقد ويُجريه (٢) على ظاهره وبين أن يسوِّغ عقدًا قد عُلم بناؤه على المكر والخداع وقد علم أن باطنه خلاف ظاهره.

فوالله ما سوَّغ الشافعي ولا إمام من الأئمة هذا العقد قطُّ، ومن نسب (٣) ذلك إليه فهم خصماؤه عند الله؛ فالذي سوَّغه (٤) الأئمة بمنزلة الحاكم


(١) هذا الفصل منقول عن «بيان الدليل» (ص ١٦١ - ١٦٤).
(٢) ك: «يحرمه».
(٣) ك: «تسبب».
(٤) ك: «يسوغه».