للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محادثتُه من امرأة أو صبي، فقال: والله لا كلَّمتُه، ثم رآه خاليًا به يؤاكله ويشاربه ويعاشره ولا يكلِّمه= لَعَدُّوه مرتكبًا لأشدِّ ما حلَف (١) [١٣٠/أ] عليه وأعظَمِه.

وهذا مما فطر الله عليه عبادَه. ولهذا فهمت الأمة من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: ١٠] جميعَ وجوه الانتفاع من اللبس والركوب والمسكن وغيرها. وفهمت من قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ (٢) لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: ٢٣] إرادةَ النهي عن جميع أنواع الأذى بالقول والفعل، وإن لم ترد نصوص أخرى بالنهي عن عموم الأذى. فلو بصَق رجلٌ في وجه والديه، وضرَبهما بالنعل، وقال: إني لم أقل لهما أُفٍّ= لعدَّه الناسُ في غاية السخافة والحماقة والجهل، من مجرَّدِ تفريقه بين التأفيف المنهيِّ عنه وبين هذا الفعل قبل أن يبلغه نهيُ غيره. ومنعُ هذا مكابرةٌ للعقل والفهم والفطرة.

فمتى (٣) عُرِف مراد المتكلم بدليل من الأدلة وجب اتباعُ مراده. والألفاظ لم تُقصَد لذواتها، وإنما هي أدلَّة يُستدلُّ بها على مراد المتكلم؛ فإذا ظهر مراده ووضَح بأيِّ طريق كان عُمِل بمقتضاه، سواء كان بإشارة، أو كناية (٤)، أو إيماء، أو دلالة عقلية، أو قرينة حالية، أو عادة له مطَّردة لا يُخِلُّ


(١) في النسخ المطبوعة: "مما حلف"، وهو أيضًا خطأ، فإنه لو أراد هذا لقال بعده: "وأعظم منه".
(٢) في النسخ كلها: "ولا تقل".
(٣) ع: "فمن"، وكذا في النسخ المطبوعة. والصواب ما أثبت من النسخ الأخرى.
(٤) ف: "كتابة"، وكذا في النسخ المطبوعة. وفي ح، ع لم ينقط التاء. ولعل الصواب ما أثبت من س، ت.