للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

ومن ذلك: قول بعضهم: إن الحديث الصحيح ــ وهو قوله: «الرهن مركوب ومحلوب، وعلى الذي يركب ويحلُب النفقة» (١) ــ على خلاف القياس، فإنه جوَّز لغير المالك أن يركب الدابة وأن يحلُبها، وضمَّنه ذلك بالنفقة لا بالقيمة، فهو مخالف للقياس من وجهين.

والصواب ما دلَّ عليه الحديث، وقواعد الشريعة وأصولها لا تقتضي سواه؛ فإن الرهن إذا كان حيوانًا فهو محترم في نفسه لحقِّ الله سبحانه، وللمالك فيه حقُّ الملك، وللمرتهن حقُّ الوثيقة. وقد شرع الله سبحانه الرهن مقبوضًا بيد المرتهن، فإذا كان بيده فلم يركبه ولم يحلُبه ذهب نفعه باطلًا. وإن مكَّن صاحبَه من ركوبه خرج عن يده وتوثيقه، وإن كلَّف صاحبه كلَّ وقت أن يأتي ليأخذ لبنه شقَّ عليه غاية المشقة، ولا سيما مع بعد المسافة. وإن كُلِّف المرتهنُ بيعَ اللبن وحفظَ ثمنه للراهن شقَّ عليه. فكان مقتضى العدل والقياس ومصلحة الراهن والمرتهن والحيوان أن يستوفي المرتهن منفعة الركوب والحلب ويعوِّض عنهما بالنفقة. ففي هذا جمعٌ بين المصلحتين، وتوفير الحقَّين، فإن نفقة الحيوان واجبة على صاحبه، والمرتهن إذا أنفق عليه أدَّى عنه واجبًا، وله [٢٥٨/ب] فيه حقٌّ، فله أن يرجع ببدله، ومنفعةُ الركوب والحلب تصلح أن تكون بدلًا، فأخذُها خير من أن تذهب (٢) على صاحبها باطلًا، ويلزم بعوض ما أنفق المرتهن. وإن قيل


(١) أخرجه البخاري (٢٥١٢) من حديث أبي هريرة، بلفظ: «الرهن يُركب بنفقته إذا كان مرهونًا، ولبن الدَّرِّ يُشرب بنفقته إذا كان مرهونًا. وعلى الذي يركب ويشرب النفقة».
(٢) ع: «تهدر»، وكذا في النسخ المطبوعة.