للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذ لو كان من مسالك الاجتهاد لم يتكلم الصحابة والتابعون والأئمة في أرباب الحيل بذلك الكلام الغليظ الذي ذكرنا منه اليسير من الكثير. وقد اتفق السلف على أنها بدعة محدثة؛ فلا يجوز تقليد من يفتي بها، ويجب نقضُ حكمه، ولا يجوز الدلالة للمقلِّد على من يفتي بها، وقد نصَّ الإمام أحمد على ذلك كله، ولا خلاف في ذلك بين الأئمة، كما أن المكيين والكوفيين لا يجوز تقليدهم في مسألة المتعة والصرف والنبيذ، ولا يجوز تقليد بعض المدنيين في مسألة الحشوش و [هي] إتيانِ النساء في أدبارهن، بل عند فقهاء الحديث (١) أن من شرب النبيذ المختلَف فيه حُدَّ، وهذا فوق الإنكار باللسان، بل عند فقهاء أهل المدينة يُفسَّق، ولا تُقبل شهادته.

وهذا يردُّ قول من قال: لا إنكارَ في المسائل المختلف فيها، وهذا خلاف (٢) إجماع الأئمة، ولا يُعلم إمام من أئمة الإسلام قال ذلك. وقد نصَّ الإمام أحمد على أن من تزوَّج ابنته من الزنا يُقتَل، والشافعي وأحمد ومالك لا يرون خلاف أبي حنيفة في مَن تزوَّج أمه وابنته أنه يُدرأ عنه [٩٧/أ] الحدُّ بشبهةٍ دارئةٍ للحد، بل عند الإمام أحمد - رضي الله عنه - يُقتل، وعند الشافعي ومالك يُحدُّ حدَّ الزنا في هذا (٣)، مع أن القائلين بالمتعة والصرف معهم سنة وإن كانت منسوخة، وأرباب الحيل ليس معهم سنة، ولا أثرٌ عن صاحب، ولا قياس صحيح.

وقولهم: «إن مسائل الخلاف لا إنكار فيها» ليس بصحيح؛ فإن الإنكار


(١) ك: «فقهاء أهل الحديث».
(٢) «خلاف» ليست في ك.
(٣) ز، ك: «حد الزاني هذا».