للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدين، [٣٦/أ] والرأيِ الحقِّ الذي لا مندوحةَ عنه لأحد من المجتهدين، فنقول وبالله المستعان:

الرأي في الأصل: مصدرُ رأى الشيءَ يراه رأيًا. ثم غلب استعماله على المرئيِّ نفسِه، من باب استعمال المصدر في المفعول، كالهوَى في الأصل مصدرُ هوِيَه يهواه هوًى، ثم استُعمِل في الشيء الذي يُهْوَى؛ فيقال: هذا هَوَى فلانٍ.

والعربُ تفرِّق بين مصادر فعل الرؤية بحسب محالِّها (١) فتقول: رأى كذا في النوم رُؤْيا، ورآه في اليقظة رؤيةً، ورأى كذا ــ لما يُعلَم بالقلب ولا يُرَى بالعين ــ رأيًا. ولكنهم خصُّوه بما يراه القلبُ بعد فكرٍ وتأمُّلٍ وطلبٍ لمعرفة وجه الصواب مما تتعارض فيه الأمارات. فلا يقال لمن رأى بقلبه أمرًا غائبًا عنه مما يُحَسُّ به: إنه رأيه (٢). ولا يقال أيضًا للأمر المعقول الذي لا تختلف فيه العقول ولا تتعارض فيه الأمارات: إنه رأيٌ، وإن احتاج إلى فكرٍ وتأمُّلٍ كدقائق الحساب ونحوها.

وإذا عُرِف هذا فالرأي ثلاثة أقسام: رأي باطل بلا ريب، ورأي صحيح، ورأي هو موضع الاشتباه. والأقسام الثلاثة قد أشار إليها السلف، فاستعملوا الرأي الصحيح، وعمِلُوا به، وأفتوا به، وسوَّغوا القولَ به. وذمُّوا الباطل، ومنعوا من العمل والفتيا والقضاء به، وأطلقوا ألسنتهم بذمِّه وذمِّ أهله.

والقسم الثالث سوَّغوا العملَ والفتيا والقضاء به عند الاضطرار إليه


(١) في المطبوع: "محلِّها". وفي الطبعات السابقة كما أثبت من النسخ.
(٢) في المطبوع: "رأي". وفي الطبعات السابقة كما أثبت من النسخ.