للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحكم باعتبار الفارق مخالفًا لاستوائهما باعتبار الجامع. وهذا هو القياس الصحيح طردًا وعكسًا، وهو التسوية بين المتماثلين، والفرق بين المختلفين.

وأما التسوية بينهما في الحكم مع افتراقهما فيما يقتضي الحكم أو يمنعه فهذا هو القياس الفاسد الذي جاء الشرع دائمًا بإبطاله، كما أبطل قياس الربا على البيع، وقياس الميتة على المذكَّى، وقياس المسيح (١) على الأصنام. وبيَّن الفارق بأنه عبدٌ أنعم عليه بعبوديته ورسالته، فكيف يعذِّبه بعبادة غيره له، مع نهيه عن ذلك وعدم رضاه به؛ بخلاف الأصنام؟ فمن قال: «إن الشريعة تأتي بخلاف القياس الذي هو من هذا الجنس» فقد أصاب، وهو من كمالها واشتمالها على العدل والمصلحة والحكمة. ومن سوَّى بين الشيئين لاشتراكهما في أمر من الأمور يلزمه أن يسوِّي بين كلِّ موجودين لاشتراكهما في مسمَّى الوجود. وهذا من أعظم الغلط، والقياس الفاسد (٢) الذي ذمَّه السلف وقالوا: «أولُ من قاس [٢٤٩/ب] إبليس، وما عُبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس» (٣). وهو القياس الذي اعترف أهل النار في النار ببطلانه حيث قالوا: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ٩٧ - ٩٨]. وذمَّ الله أهله بقوله: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: ١] أي يقيسونه على غيره ويسوُّون بينه وبين غيره في الإلهية والعبودية.


(١) في النسخ المطبوعة بعده زيادة «عيسى عليه الصلاة والسلام».
(٢) «الفاسد» ساقط من ت.
(٣) سبق تخريجه.