للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإيضاح هذا: أن العمل الذي يقصد به المال ثلاثة أنواع:

أحدها: أن يكون العمل مقصودًا معلومًا مقدورًا على تسليمه. فهذه الإجارة اللازمة.

الثاني: أن يكون العمل مقصودًا، لكنه مجهول أو غرر. فهذه الجِعالة، وهي عقد جائز ليس بلازم. فإذا قال: «من ردَّ عبدي الآبق فله مائة» فقد يَقدِر على ردِّه، وقد لا يقدِر. وقد يرُدُّه من مكان قريب وبعيد (١). فلهذا لم تكن لازمة، لكن هي جائزة. فإن عمِل العملَ استحقَّ الجُعْل، وإلا فلا. ويجوز أن يكون الجُعْل فيها إذا حصل بالعمل جزءً شائعًا ومجهولًا جهالةً لا تمنع التسليم، كقول أمير الغزو: «من دلَّ على حصنٍ فله ثلثُ ما فيه»، أو يقول للسَّرِيَّة التي يسير بها: «لكم خُمْسُ ما تغنمون أو رُبعه».

وتنازعوا في السَّلَب: هل هو مستحَقٌّ بالشرع كقول الشافعي، أو بالشرط كقول أبي حنيفة ومالك؟ على قولين، وهما روايتان عن أحمد. فمن جعله مستحقًّا بالشرط جعله من هذا الباب. ومن ذلك إذا جعل للطبيب جُعْلًا على الشفاء جاز، كما أخذ أصحابُ النبي - صلى الله عليه وسلم - القطيعَ من الشاء الذي جعله لهم سيّدُ الحيِّ، فرقاه بعضهم حتى برئ. والجُعْل كان [٢٣٦/أ] على الشفاء، لا على القراءة. ولو استأجر طبيبًا إجارةً لازمةً على الشفاء لم يصح، لأن الشفاء غير مقدور له؛ فقد يشفيه الله، وقد لا يشفيه. فهذا ونحوه مما تجوز فيه الجِعالة، دون الإجارة اللازمة.


(١) كذا في النسخ. وفي «مجموع الفتاوى»: «وقد يردُّه من مكان بعيد». وفي المطبوع: «بعيد أو قريب». وفي الطبعات السابقة: «قريب أو بعيد».