للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

وأما النوع الثالث فهو: ما لا يُقصَد فيه العمل، بل المقصود فيه المال، وهو المضاربة، فإن ربَّ المال ليس له قصدٌ في نفس عمل العامل (١) كما للجاعل (٢) والمستأجرِ له (٣) قصدٌ في عمل العامل. ولهذا لو عمِل ما عمِل ولم يربح شيئًا لم يكن له شيء. وإن سُمِّي هذا جِعالةً بجزء مما يحصل من العمل كان نزاعًا لفظيًّا، بل هذه مشاركة: هذا بنفع ماله، وهذا بنفع بدنه. وما قسم الله من ربحٍ كان بينهما على الإشاعة. ولهذا لا يجوز أن يختص أحدهما بربح مقدَّر، لأن هذا يخرجهما عن العدل الواجب في الشركة.

وهذا هو الذي نهى عنه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من المزارعة، فإنهم كانوا يشترطون لربِّ الأرض زرعَ بقعةٍ بعينها، وهو ما نبت على الماذِيَانات (٤) وأقبال الجداول (٥) ونحو ذلك، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه. ولهذا قال الليث بن سعد (٦)


(١) في المطبوع: «نفس العمل».
(٢) ع: «كالجاعل».
(٣) يعني للمستأجر. ولم يرد «له» في «مجموع الفتاوى».
(٤) فسَّرها صاحب الغريبين (٦/ ١٧٣٨) بالأنهار الكبار، مفردها ماذِيان، وقال: «إنها ليست بعربية، لكنها سوادية. والسواقي دون الماذيانات». وقال المطرزي في «المغرب» (١/ ٤٣٨): الماذيان «أصغر من النهر وأعظم من الجدول، فارسي معرب». قلت: لم أجده في المعاجم الفارسية، ولعل كونها سوادية أصح.
(٥) يعني: أوائلها وما استقبل منها.
(٦) رواه البخاري في «الجامع الصحيح» (٢٣٤٦) عن الليث بمعناه.