للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحد ظهوره وحجته. بل لمَّا ظنَّ هذا مَن ظنَّه ضيَّعوا طريقَ الحكم، فضاع كثير من الحقوق، لتوقُّفِ ثبوتها عندهم على طريق معيَّن، وصار الظالم الفاجر ممكَّنًا مِن ظلمه وفجوره، فيفعل ما يريد، ويقول: لا يقوم عليَّ بذلك شاهدان اثنان، فضاعت حقوق كثيرة لله ولعباده.

وحينئذ (١) [٥١/أ] أخرج الله أمر الحكم العامِّ عن أيديهم، ودخل (٢) فيه من أمر الإمارة والسياسة ما يُحفَظ به الحقُّ تارةً ويضيع به أخرى، ويحصل به العدوان تارةً والعدل أخرى. ولو عُرِف ما جاء به الرسول على وجهه لكان فيه تمامُ المصلحة المُغْنية عن التفريط والعدوان.

وقد ذكر الله سبحانه نصابَ الشهادة في القرآن في خمسة مواضع. فذكر نصاب شهادة الزنا أربعة في سورة النساء وسورة النور. وأما في غير الزنا فذكر شهادة الرجلين والرجل والمرأتين في الأموال، فقال في آية الدين: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: ٢٨٢]. فهذا في التحمُّل والوثيقة التي يحفظ بها صاحبُ المال حقَّه، لا في طريق الحكُم وما يحكم به الحاكم؛ فإنَّ هذا شيء، وهذا شيء. وأمَر في الرجعة بشاهدين عدلين، وأمَر في الشهادة على الوصية في السفر باستشهاد عَدْلين من المسلمين أو آخران (٣) من غيرهم، وغيرُ المؤمنين هم الكفار. والآية صريحة في قبول شهادة الكافرين على الوصية في السفر عند


(١) في المطبوع: "فحينئذ".
(٢) في النسخ المطبوعة: "أدخل".
(٣) كذا في النسخ، يعني: أو آخران من غيرهم يشهدان. وفي النسخ المطبوعة: "آخرين" على الجادة.