للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يوضِّحه الوجه الثالث والأربعون: أن أتباعهم لو كانوا هم المقلدين الذين هم مُقرّون على أنفسهم وجميعُ أهل العلم أنهم ليسوا من أولي العلم (١)، [٣٠ مكرر/ب] لكان سادات العلماء الدائرون مع الحجة ليسوا من أتباعهم، والجهّال أسعدُ بأتباعهم منهم، وهذا عين المحال، بل من خالف واحدًا منهم للحجة فهو المتبع له، دون من أخذ قوله بغير حجة، وهكذا القول في أتباع الأئمة - رضي الله عنهم -، معاذَ الله أن يكونوا هم المقلدين لهم الذين يُنزِلون آراءهم منزلة النصوص، بل يتركون لها النصوص؛ فهؤلاء ليسوا من أتباعهم، وإنما أتباعهم من كان على طريقتهم واقتفى منهاجَهم.

ولقد أنكر بعض المقلدين على شيخ الإسلام في تدريسه بمدرسة ابن الحنبلي (٢) وهي وقف على الحنابلة، والمجتهد ليس منهم، فقال: إنما أتناول ما أتناوله منها على معرفتي بمذهب أحمد، لا على تقليدي له. ومن المحال أن يكون هؤلاء المتأخرون على مذهب الأئمة دون أصحابهم الذين لم يكونوا يقلّدونهم، فأتبعُ الناس لمالك ابنُ وهب وطبقته ممن يُحكِّم الحجة وينقاد للدليل أين كان، وكذلك أبو يوسف ومحمد أتبعُ لأبي حنيفة من المقلدين له مع كثرة مخالفتهما له، وكذلك البخاري ومسلم وأبو داود والأثرم وهذه الطبقة من أصحاب أحمد أتبعُ له من المقلدين المحض


(١) ع: «أهل العلم».
(٢) هي المدرسة الحنبلية بدمشق، التي وقفها الشيخ عبد الوهاب بن أبي الفرج الحنبلي المتوفى سنة ٥٣٦. درَّس فيها شيخ الإسلام سنة ٦٩٥ عوضًا عن زين الدين بن المنجَّى بعد وفاته. انظر «البداية والنهاية» (١٧/ ٦٨٤، ٦٨٥) و «الدارس في تاريخ المدارس» (٢/ ٦٤، ٧٣، ٧٤).