وممن ذكر هذه الأوجه الثلاثة أبو القاسم ابن يونس (١) في «شرح التنبيه»، وأكثر أيمان الطلاق بهذه الصيغة، فكيف يحلُّ لمن يؤمن بأنه موقوف بين يدي الله ومسؤول أن يكفِّر أو يجهِّل من يفتي بهذه المسألة، ويسعى في قتله وحَبْسه، ويلبِّس على الملوك والأمراء والعامة أن المسألة مسألة إجماع، ولم يخالف فيها أحد من المسلمين، وهذه أقوال أئمة المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم؟ وقد علم الله ورسوله وملائكته وعباده أن هذه المسألة لم تُردَّ بغير الشكاوى إلى الملوك ودعوى الإجماع الكاذب، والله المستعان، وهو عند لسان كل قائل:{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[التوبة: ١٠٥].
فصل
وهذا الذي قلناه من اعتبار النيات والمقاصد في الألفاظ، وأنها لا تلزم بها أحكامها حتى يكون المتكلم بها قاصدًا لها مريدًا لموجباتها، كما أنه لا بدّ أن يكون قاصدًا للتكلّم باللفظ مريدًا له، فلا بدَّ من إرادتين: إرادة التكلم باللفظ اختيارًا، وإرادة موجبه ومقتضاه، بل إرادة المعنى آكدُ من إرادة اللفظ؛ فإنه المقصود، واللفظ وسيلة، هو قول أئمة الفتوى من علماء الإسلام.
قال مالك وأحمد فيمن قال «أنت طالق البتةَ» وهو يريد أن يحلِف على
(١) في «الصواعق المرسلة» (٢/ ٦١٣): «أبو القاسم عبد الرحمن بن يونس». ولم أجد ترجمته في المصادر، والمعروف بشرح «التنبيه»: أبو الفضل أحمد بن موسى بن يونس الإِرْبِلي ثم المَوْصِلي (ت ٦٢٢). انظر ترجمته في «وفيات الأعيان» (١/ ١٠٨) و «سير أعلام النبلاء» (٢٢/ ٢٤٨) و «طبقات الشافعية» للسبكي (٨/ ٣٩).