للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

وأما قوله: «وقطَع يدَ السارق التي باشر بها الجناية، ولم يقطع فرج الزاني وقد باشر به الجناية، ولا لسان القاذف وقد باشر به القذف»، فجوابه أن هذا من أدلِّ الدلائل على أن هذه الشريعة منزَّلة من عند أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين.

ونحن نذكر فصلًا نافعًا في الحدود ومقاديرها، وكمال ترتيبها على أسبابها، واقتضاء كلِّ جنايةٍ لما رُتِّب عليها دون غيرها، وأنه ليس وراء ذلك للعقول اقتراح. ونورد أسوِلةً لم يوردها هذا السائل، وننفصل عنها بحول الله وقوته أحسنَ انفصال. والله المستعان، وعليه التكلان.

إن الله جل ثناؤه وتقدَّست أسماؤه لما خلق العباد وخلق الموت والحياة، وجعل ما على الأرض زينةً لها، ليبلوَ عباده [٣٠٤/ب] ويختبرهم أيُّهم أحسَنُ عملًا= لم يكن في حكمته بدٌّ من تهيئة أسباب الابتلاء في أنفسهم وخارجًا عنها، فجعل في أنفسهم العقول (١) والأسماع والأبصار، والإرادات والشهوات، والقوى والطبائع، والحب والبغض، والميل والنفور، والأخلاق المتضادة المقتضية لآثارها اقتضاءَ السبب لمسبِّبه، والتي في الخارج الأسبابُ التي تطلب النفوسُ حصولَها، فتَنافَسُ فيه؛ وتكره حصوله، فتدفعه عنها. ثم أكَّد أسبابَ هذا الابتلاء بأن وكَّل بها قُرَناءَ من الأرواح الشريرة الظالمة الخبيثة، وقُرَناءَ من الأرواح الخيرة العادلة الطيبة. وجعل دواعي القلب وميوله مترددةً بينهما، فهو إلى داعي الخير مرةً،


(١) في النسخ المطبوعة زيادة: «الصحيحة».