للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذه أنواع (١) من الأدلة السمعية المحكمة إذا بُسِطَتْ أفرادها كانت ألفَ دليل على علو الرب على خلقه واستوائه على عرشه؛ فترك الجهميةُ ذلك كله وردُّوه بالمتشابه من قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: ٤]، وردَّه زعيمهم المستأخر (٢) بقوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١]، وبقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١].

ثم ردُّوا تلك الأنواع كلها متشابهة، فسلَّطوا المتشابه على المحكم وردُّوه به، ثم ردُّوا المحكم متشابهًا؛ فتارةً يحتجون به على الباطل، وتارة يدفعون به الحق. ومن له أدنى بصيرة يعلم أنه لا شيء في النصوص أظهرُ ولا أبينُ مرادًا من مضمون هذه النصوص؛ فإذا كانت متشابهةً فالشريعة كلها متشابهة، وليس فيها شيء محكم البتةَ، ولازمُ هذا القول لزومًا لا محيدَ عنه أنّ ترْكَ الناس بدونها خير لهم من إنزالها إليهم، فإنها أوهمتْهم وأفهمتْهم غير المراد، وأوقعتْهم في اعتقاد الباطل، ولم يُبيَّنْ لهم ما هو الحق في نفسه، بل أُحيلوا فيه على ما يستخرجونه بعقولهم وأفكارهم ومقاييسهم، فنسأل مثبِّتَ القلوب تبارك وتعالى أن يثبِّت قلوبنا على دينه وما بعث به رسوله من الهدى ودين الحق، وأن لا يُزِيغ قلوبنا بعد إذ هدانا؛ إنه قريب مجيب.

المثال الثالث عشر: ردُّ الرافضة النصوصَ الصحيحة الصريحة المحكمة المعلومة عند خاصِّ الأمة (٣) وعامتها بالضرورة في مدح


(١) ت: «أنواع من الأنواع».
(٢) ت: «المتأخر». يريد الرازي.
(٣) ع: «خاصة الأمة».