للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

وأكثر هذه الحيل لا تمشي على أصول الأئمة، بل تُناقضها أعظمَ مناقضة.

وبيانه أن الشافعي - رضي الله عنه - يحرِّم مسألة مُدّ عجوة ودرهم بمدٍّ ودرهم، ويبالغ في تحريمها (١) بكل طريق خوفًا (٢) أن تُتّخذ حيلة على نوع ما من ربا الفضل، فتحريمه للحيل الصريحة التي يتوصَّل بها إلى ربا النَّساء أولى [٦٣/ب] من تحريم مُدِّ عجوة بكثير؛ فإن التحيل بمدّ ودرهم من الطرفين على ربا الفضل أخفُّ من التحيل بالعِينة على ربا النَّساء، وأين مفسدة هذه من مفسدة تلك؟ وأين حقيقة الربا في هذه من حقيقته في تلك؟ وأبو حنيفة يحرِّم مسألة العِينة، وتحريمه لها يوجب تحريمه للحيلة في مسألة مُدِّ عجوة بأن يبيعه خمسة عشر درهمًا بعشرة في خرقة؛ فالشافعي يبالغ في تحريم مسألة مدّ عجوة ويبيح العِينة، وأبو حنيفة يبالغ في تحريم العينة ويبيح مسائل مُدّ عجوة، ويتوسع فيها، وأصلُ كلٍّ من الإمامين - رضي الله عنهما - في أحد البابين يستلزم إبطالَ الحيلة في الباب الآخر، وهذا من أقوى التخريج على أصولهم ونصوصهم، وكثير من الأقوال المخرَّجة دون هذا.

فقد ظهر أن الحيل المحرَّمة في الدين تقتضي رفع التحريم مع قيام موجبه ومقتضيه وإسقاط الوجوب مع قيام سببه، وذلك حرام من وجوه:

أحدها: استلزامها فعلَ المحرَّم وترك الواجب.


(١) ز: «تحريمه».
(٢) «خوفا» ساقطة من ز.