للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

وأما تحريم المرأة على الزوج بعد الطلاق الثلاث وإباحتها له بعد نكاحها للثاني، فلا يعرف حكمته إلا من له معرفة بأسرار الشريعة وما اشتملت عليه من الحِكم والمصالح الكلِّيّة. فنقول وبالله التوفيق:

لما كان إباحة فرج المرأة للرجل بعد تحريمه عليه ومنعه منه من أعظم نِعَم الله عليه وإحسانه إليه كان جديرًا بشكر هذه النعمة ومراعاتها، والقيام بحقوقها وعدم تعرُّضها (١) للزوال. وتنوَّعت الشرائع في ذلك بحسب المصالح التي علِمَها الله في كلِّ زمان ولكلِّ أمة. فجاءت شريعة التوراة بإباحتها له بعد الطلاق ما لم تتزوج. فإذا تزوجت حَرُمت عليه، ولم يبق له سبيل إليها. وفي ذلك من الحكمة والمصلحة ما لا يخفى. فإن الزوج إذا علِم أنه إذا طلَّق المرأةَ وصار (٢) أمرها [٢٩١/ب] بيدها، وأن لها أن تنكح غيره، وأنها إذا نكحت غيره حَرُمت عليه أبدًا= كان تمسُّكُه بها أشدَّ، وحذرُه من مفارقتها أعظم. وشريعة التوراة جاءت بحسب الأمة الموسوية، فيها من الشدة والإصر ما يناسب حالهم. ثم جاءت شريعة الإنجيل بالمنع من الطلاق بعد التزوج البتة، فإذا تزوج بامرأة فليس له أن يطلِّقها.

ثم جاءت الشريعة الكاملة الفاضلة المحمدية، التي هي أكملُ شريعة نزلت من السماء على الإطلاق وأجلُّها وأفضلها وأعلاها وأقوَمها بمصالح العباد في المعاش والمعاد، بأحسن من ذلك كلِّه وأكملِه وأوفقِه للعقل


(١) في النسخ المطبوعة: «تعريضها».
(٢) كذا في النسخ الخطية والمطبوعة. والظاهر أن الواو قبل «صار» مقحمة.