للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالسكينة فعيلة من السكون، وهو طمأنينة القلب واستقراره. وأصلها في القلب، ويظهر أثرها على الجوارح. وهي عامَّة وخاصَّة. فسكينةُ الأنبياء ــ صلوات الله وسلامه عليهم ــ أخصُّ مراتبها وأعلى أقسامها، كالسكينة التي حصلت لإبراهيم الخليل وقد أُلقي في المنجنيق مسافرًا إلى ما أضرَم له أعداءُ الله من النار. فلله تلك السكينة التي كانت في قلبه حين ذلك السفر!

وكذلك السكينة التي حصلت لموسى، وقد غشِيَه فرعون وجنوده من ورائهم، والبحر أمامهم، وقد استغاث بنو إسرائيل: يا موسى إلى أين تذهب بنا؟ هذا البحر أمامنا، وهذا فرعون خلفنا! وكذلك السكينة التي حصلت له وقتَ تكليم الله له نِداءً ونِجاءً (١) كلامًا حقيقةً، سمعه حقيقةً بأذنه. وكذلك السكينة التي حصلت له، وقد رأى العصا ثعبانًا مبينًا. وكذلك السكينة التي نزلت عليه، وقد رأى حبالَ القوم وعصيَّهم كأنها (٢) تسعى، فأوجس خيفةً في نفسه (٣).

وكذلك السكينة التي حصلت لنبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -، وقد أشرف عليه وعلى صاحبه عدوُّهما (٤)، وهما في الغار، فلو نظر أحدهم إلى تحت قدميه لرآهما. وكذلك السكينة التي نزلت عليه في مواقفه العظيمة، وأعداءُ الله قد أحاطوا به كيوم بدر، ويوم حنين، ويوم الخندق، وغيره. فهذه السكينة أمرٌ فوق عقول


(١) في المطبوع: «إيحاء».
(٢) ز: «كأنهم» وفي ب: «أنها».
(٣) في النسخ المطبوعة: «في نفسه خيفة».
(٤) في النسخ الخطية: «عدوهم».