للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكثيرٌ من الظَّلَمة المصلحين يُصلح بين القادر الظالم والخصم الضعيف المظلوم بما يرضى به القادرُ صاحبُ الجاه، ويكون له فيه الحظُّ، ويكون الإغماض والحيف فيه على الضعيف؛ ويظنُّ أنه قد أصلَحَ! ولا يتمكن المظلوم من أخذ حقه، وهذا ظلم. بل يمكَّن المظلومُ من استيفاء حقِّه، ثم يُطلَب إليه برضاه [٦٢/ب] أن يترك بعضَ حقه بغير (١) محاباةٍ لصاحب الجاه، ولا تشبيهٍ (٢) بالإكراه للآخر بالمحاباة ونحوها.

فصل

والصلح الذي يُحِلُّ الحرامَ ويُحرِّم الحلالَ كالصلح الذي يتضمَّن تحريمَ بُضْعٍ حلال، أو حِلَّ بُضْعٍ حرام، أو إرقاقَ حُرٍّ، أو نقلَ نسب أو ولاء عن محلّ إلى محلّ، أو أكلَ ربا، أو إسقاطَ واجب، أو تعطيلَ حدٍّ، أو ظلمَ ثالث، وما أشبه ذلك= فكلُّ هذا صلح جائر مردود. فالصلح الجائز بين المسلمين هو الذي يعتمد المصلحُ فيه أمرين: رضا (٣) الله سبحانه، ورضا الخصمين؛ فهذا أعدلُ الصلح وأحقُّه. وهو يعتمد العلم والعدل، فيكون المصلح عالمًا بالوقائع (٤)، عارفًا بالواجب، قاصدًا للعدل. فدرجةُ هذا أفضل من درجة الصائم القائم، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أنبئكم بأفضلَ من درجة الصِّيام والقيام (٥)؟ "، قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "إصلاحُ ذات البين، فإنَّ فساد ذات


(١) كذا في س والنسخ المطبوعة. وفي غيرها: "لغير".
(٢) كذا في النسخ الخطية. وفي النسخ المطبوعة: "يشتبه". ولعل في الكلمة تصحيفًا.
(٣) في النسخ المطبوعة: "يعتمد فيه رضا"، فسقطت منها كلمتان.
(٤) في ف غُيِّر إلى "الواقع".
(٥) ع: "الصائم القائم". وكذا في النسخ المطبوعة.