للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنهم إنما يرثون بالرحم المجرَّد، فالقرابة التي يرثون بها قرابةُ أنثى فقط، وهم فيها سواء؛ فلا معنى لتفضيل ذكرهم على أنثاهم، بخلاف قرابة الأب.

وأما العقيقة، فأمر التفضيل فيها تابع لشرف الذكر، وما ميَّزه الله به على الأنثى. ولما كانت النعمة به على الوالد أتمَّ، والسرور والفرحة به أكمل؛ كان الشكران عليه أكثر؛ فإنه كلما كثرت النعمة كان شكرها أكثر. والله أعلم.

فصل

وأما قولهم (١): «وخصَّ بعضَ الأزمنة والأمكنة، وفضَّل بعضها على بعض، مع تساويها» إلى آخره، فالمقدمة الأولى صادقة، والثانية كاذبة.

وما فضَّل بعضَها على بعض إلا لخصائص قامت بها، اقتضت التخصيص؛ وما خصَّ سبحانه شيئًا إلا بمخصص، ولكنه قد يكون ظاهرًا وقد يكون خفيًّا. واشتراكُ الأزمنة والأمكنة في مسمَّى الزمان والمكان كاشتراك الحيوان في مسمَّى الحيوانية، والإنسان في مسمَّى الإنسانية، بل وسائر الأجناس في المعنى الذي يعمُّها؛ وذلك لا يوجب استواءها في أنفسها. والمختلفات تشترك في أمور كثيرة. والمتفقات تتباين في أمور كثيرة، والله سبحانه أحكَمُ وأعلَمُ من أن يرجِّح مِثلًا على مِثلٍ من كلِّ وجه، بلا صفة تقتضي ترجيحه؛ هذا مستحيل في خلقه وأمره، كما أنه سبحانه لا يفرِّق بين المتماثلين من كلِّ وجه. فحكمته وعدله تأبى هذا وهذا.

وقد نزَّه سبحانه نفسَه عمَّن يظنُّ [٣٤٣/ب] به ذلك، وأنكر عليه زعمَه الباطل، وجعله حكمًا منكرًا. ولو جاز عليه ما يقول هؤلاء لبطلت حججه


(١) في النسخ المطبوعة: «قوله».