للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

وأما قوله: «ومن تزيَّن بما ليس فيه شانَه اللهُ». لما كان المتزيِّنُ بما ليس فيه ضدَّ المخلص ــ فإنه يُظهِر للناس أمرًا وهو في الباطن بخلافه ــ عامَلَه اللهُ بنقيض قصده، فإنَّ المعاقبة بنقيض القصد ثابتةٌ شرعًا وقدرًا. ولما كان المخلص يعجَّل له من ثواب إخلاصه الحلاوةُ والمحبةُ والمهابةُ في قلوب الناس عُجِّل للمتزيِّن بما ليس فيه من عقوبته أن شانه اللهُ بين الناس؛ [٣٥٠/أ] لأنه شانَ باطنَه عند الله. وهذا موجَبُ أسماء الربِّ الحسنى وصفاته العُلى وحكمته في قضائه وشرعه.

هذا، ولما كان مَن تزيَّن للناس بما ليس فيه من الخشوع والدين والنُّسك والعلم وغير ذلك قد نصَب نفسَه للوازم هذه الأشياء ومقتضياتها فلا بدَّ أن تُطلَب منه. فإذا لم توجد عنده افتُضِحَ، فيشينه ذلك من حيث ظنَّ أنه يزينه. وأيضًا فإنه أخفى عن الناس ما أظهر لله خلافَه، فأظهر اللهُ من عيوبه للناس ما أخفاه عنهم، جزاءً له من جنس عمله.

وكان بعض الصحابة يقول: أعوذ بالله من خُشوع النِّفاق. قالوا: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسدَ خاشعًا، والقلبُ غيرُ خاشع (١).


(١) رواه ابن المبارك في «الزهد» (١٤٣)، وابن أبي شيبة (٣٦٨٦١) عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - موقوفًا، فيه رجل مبهم لم يُسَمَّ. وروي مرفوعًا عند البيهقي في «الشعب» (٩/ ٢٢٠) من حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، ولا يصح؛ لأنَّ فيه الحارث بن عبيد الأنماري ضعفه أحمد وابن معين. انظر: المغني عن حمل الأسفار (ص: ١٢٤٣).