للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إعانته على الطيران. ولهذا يقال: «وصلت جناحَ فلان» إذا رأيتَه يسير منفردًا، فانضممتَ إليه لتصحبه (١). فعوقب السارق بقطع اليد قصًّا لجناحه، وتسهيلًا لأخذه إن عاود السرقة. فإذا فُعِل به هذا في أول مرة بقي مقصوصَ أحد الجناحين ضعيفَ العَدْو (٢). ثم يقطع في الثانية رجلَه، فيزداد ضعفًا في عَدْوه، فلا يكاد يفوت الطالب. ثم تُقطع يدُه الأخرى في الثالثة، ورجلُه الأخرى في الرابعة، فيبقى لحمًا على وضَمٍ (٣)، فيستريح ويُريح.

وأما الزاني فإنه يزني بجميع بدنه، والتلذُّذُ بقضاء شهوته يعُمُّ البدن، والغالب من فعله وقوعه برضا المزنيِّ بها، فهو غير خائف ما يخافه السارق من الطلب= فعُوقب بما يعُمُّ بدنه من الجَلْدِ مرةً والقتل بالحجارة مرةً. ولما كان الزنا من أمهات الجرائم وكبائر المعاصي لما فيه من اختلاط الأنساب الذي يبطُل معه التعارفُ والتناصرُ على إحياء الدين، وفي هذا إهلاكُ (٤) الحرث والنسل= فشاكَلَ في معانيه أو في أكثرها القتلَ الذي فيه هلاك ذلك، فزُجِر عنه بالقصاص ليرتدع عن مثل فعله مَن يُهمُّ به، فيعود ذلك بعمارة الدنيا وصلاح العالم المُوصِل إلى إقامة العبادات المُوصِلة إلى نعيم الآخرة.


(١) منه قول الحريري في المقامة الكوفية: «فوصلتُ جناحَه حتى سنَّيت نجاحه». قال الشريشي في شرح مقاماته (١/ ٢١٧): «أي مشيتُ معه ويدي في يده. وجناح الرجل: يده».
(٢) في النسخ المطبوعة: «ضعيفًا في العدو».
(٣) الوَضَم ما وُقي به اللحم من الأرض من خشب أو حصيرٍ أو نحو ذلك. ويضرب المثل باللحم على الوضم للذليل الضعيف.
(٤) في النسخ المطبوعة: «هلاك».