للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: الأظهر أنه يتوقَّف، ولا يفتيه بشيء حتى يتبيَّن له الراجح منهما، لأن أحدهما خطأ، فليس له أن يفتيه بما لا يعلم أنه صواب، وليس له أن يخيِّره بين الخطأ والصواب. وهذا كما إذا تعارض عند الطبيب في أمر المريض أمران: خطأ وصواب، ولم يتبيَّن له [٢١٣/أ] أحدهما= لم يكن له أن يُقْدِم على أحدهما، ولا يخيِّره. وكما لو استشاره في أمر، فتعارض عنده الخطأ والصواب من غير ترجيح، لم يكن له أن يشير بأحدهما، ولا يخيِّره. وكما لو تعارض عنده طريقان: مُهلِكة ومُوصِلة، ولم يتبيَّن له طريق الصواب، لم يكن له الإقدام ولا التخيير. فمسائل الحلال والحرام أولى بالتوقف. والله أعلم.

الفائدة الثانية والخمسون: أتباع الأئمة يفتون كثيرًا بأقوالهم القديمة التي رجعوا عنها.

وهذا موجود في سائر الطوائف. فالحنفية يفتون بلزوم المنذورات (١) التي مخرَجُها مخرجُ اليمين كالحج والصدقة والصوم (٢)، وقد حكوا هم عن أبي حنيفة أنه رجع قبل موته بثلاثة أيام إلى التكفير (٣). والحنابلة يفتي كثير منهم بوقوع طلاق السكران، وقد صرَّح الإمام أحمد بالرجوع عنه إلى عدم الوقوع كما تقدَّم حكايته. والشافعية يفتون بالقول القديم في مسألة التثويب، وامتداد وقت المغرب، ومسألة التباعد عن النجاسة في الماء الكثير، وعدم استحباب قراءة السورة في الركعتين الأخيرتين، وغير ذلك من


(١) ك، ب: «المندوبات»، تصحيف.
(٢) في النسخ المطبوعة: «والصوم والصدقة».
(٣) في «المبسوط» للسرخسي (٨/ ١٣٦) أنه رجع عنه قبل موته بسبعة أيام.