للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثالث: أنه ليس في اتباع قول عمر بن الخطاب في هاتين المسألتين وتقليد الصحابة لو فُرِض له في ذلك ما يسوِّغ تقليدَ من هو دونه بكثير في كل ما يقوله وترْكَ قولِ من هو مثله ومن هو فوقه وأعلم منه، فهذا من أبطل الاستدلال، وهو تعلُّقٌ ببيت العنكبوت، فقلِّدوا عمر واتركوا تقليد فلان وفلان، فأما وأنتم تصرِّحون بأن (١) عمر لا يقلَّد وأبو حنيفة والشافعي ومالك يقلَّدون فلا يمكنكم الاستدلال بما أنتم مخالفون له، فكيف يجوز للرجل أن يحتج بما لا يقول به؟

الوجه الثالث والخمسون: قولكم: «إن عمرو بن العاص قال لعمر لما احتلم: خذْ ثوبًا غير ثوبك، فقال: لو فعلتُ صارت سنة» (٢)، فأين في هذا من الإذن من عمر في تقليده والإعراض عن كتاب الله وسنة رسوله؟ وغاية هذا أنه تركه لئلا يقتدي به من يراه يفعل ذلك، ويقول: لولا أن هذا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما فعله عمر؛ فهذا هو الذي خشيه عمر - رضي الله عنه -، والناس مقتدون بعلمائهم شاؤوا أو أبوا، فهذا هو الواقع وإن كان الواجب فيه تفصيل.

الوجه الرابع والخمسون: قولكم: «قد قال أُبيّ: ما اشتبه عليك فكِلْه إلى عالمه» (٣)، [٣٥/ب] فهذا حق، وهو الواجب على من سوى الرسول؛ فإن كل أحد بعد الرسول لا بدَّ أن يشتبه عليه بعض ما جاء به، وكل من اشتبه عليه شيء وجب (٤) عليه أن يَكِلَه إلى مَن هو أعلم منه، فإن تبين له صار عالمًا به مثله،


(١) ع: «أن».
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) «بعد الرسول ... وجب» ساقطة من ع.