للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لتخليص (١) المستفتي بها من حرجٍ جاز ذلك، بل استُحِبَّ. وقد أرشد الله سبحانه نبيَّه أيوب إلى التخلُّص من الحنث بأن يأخذ بيده ضغثًا، فيضرب به المرأة ضربة واحدة (٢).

وأرشد النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بلالًا إلى بيع التمر بدراهم، ثم يشتري بالدراهم تمرًا آخر، فيتخلَّص من الربا (٣). فأحسنُ المخارج ما خلص من المآثم، وأقبحُ الحيل ما أوقع في المحارم، أو أسقط ما أوجبه الله ورسوله من الحقِّ اللازم. وقد ذكرنا من النوعين ما لعلك لا تظفر بجملته في غير هذا الكتاب. والله الموفق للصواب.

الفائدة الأربعون في حكم رجوع المفتي عن فتياه:

إذا أفتى المفتي بشيءٍ ثم رجع عنه، فإن علِم المستفتي برجوعه ولم يكن عمِل بالأول فقيل: يحرُم عليه العمل به (٤). وعندي في المسألة تفصيل، وأنه لا يحرم عليه الأول بمجرَّد رجوع المفتي، بل يتوقَّف حتى يسأل غيرَه. فإن أفتاه بموافقة الأول استمرَّ على العمل به، وإن أفتاه بموافقة الثاني، ولم يُفْتِه أحدٌ بخلافه، حرُم عليه العمل بالأول. وإن لم يكن في البلد إلا مفتٍ واحد سأله عن رجوعه عما أفتاه به، فإن رجع إلى اختيار خلافه مع تسويغه لم يحرُم عليه. وإن رجع لخطأٍ بان له، وأن ما أفتاه به لم يكن صوابًا، حرُم عليه العمل بالأول.


(١) ب: «ليخلص»، وكذا في المطبوع.
(٢) انظر: «أدب المفتي» (ص ١١١) و «صفة الفتوى» (ص ٣٢).
(٣) سبق تخريجه.
(٤) انظر: «أدب المفتي» (ص ١٠٩) و «صفة الفتوى» (ص ٣٠).