للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذا هو الجواب عن احتجاج المتحيِّلين بقصة يوسف عليه الصلاة والسلام، وقد تبيَّن أنها من أعظم الحجج عليهم، وبالله التوفيق.

فصل

وأما حديث أبي هريرة وأبي سعيد: «بع الجمع بالدراهم ثم ابتَعْ بالدراهم جَنيبًا» فما أصحَّه من حديث، ونحن نتلقّاه بالقبول والتسليم. والكلام معكم فيه في مقامين: أحدهما: إبطال استدلالكم به على جواز الحيل، والثاني: بيان دلالته على نقيض مطلوبكم؛ إذ هذا شأن كل دليل صحيح احتج به محتج على باطل؛ فإنه لا بدَّ أن يكون فيه ما يدل على بطلان قوله ظاهرًا أو إيماءً، مع عدم دلالته على قوله.

فأما المقام الأول (١) فنقول: غاية ما دلَّ الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يبيع سِلعته الأولى بثمن ثم يبتاع بثمنها تمرًا آخر، ومعلوم قطعًا أن ذلك إنما يقتضي البيع الصحيح؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يأذن في العقد الباطل؛ فلا بدَّ أن يكون العقد الذي أذن فيه صحيحًا، والشأن كل الشأن في العقد المتنازع فيه؛ فلو سلَّم لكم المنازع صحته لاستغنيتم عن الاستدلال بالحديث، ولا يمكن الاستدلال بالحديث على صحته لأنه ليس بعام؛ فإن قوله: «بع» مطلق لا عام؛ فهذا البيع لو كان صحيحًا متفقًا على صحته لم يكن هناك لفظ عام يحتجُّ به على تناوله له، فكيف وهذا البيع مما قد دلّت السنة الصحيحة وأقوال الصحابة والقياس الصحيح على بطلانه كما تقدم؟ ولو اختلف رجلان في بيع هل هو صحيح أو فاسد، وأراد كل واحد منهما إدخاله في


(١) يأتي المقام الثاني بعد ١٣ صفحة.