للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للحرام. ولو أكل طعامًا حرامًا يظنُّه حلالًا لم يأثم به، ولو أكله وهو حلالٌ يظنه حرامًا وقد أقدمَ عليه أثِمَ بنيته. وكذلك لو قتل من يظنُّه مسلمًا معصومًا فبان كافرًا حربيًّا أثِمَ بنيته. ولو رمى صيدًا فأصاب معصومًا لم يأثم، ولو رمى معصومًا فأخطأه وأصاب صيدًا أثِمَ، ولهذا كان القاتل والمقتول من المسلمين في النار (١) لنية كلٍّ منهما قتْلَ صاحبه.

ءفالنية روح العمل ولبُّه وقِوامُه، وهو تابع لها يصح بصحتها ويفسد بفسادها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال كلمتين كَفَتا وشَفَتا وتحتهما كنوز العلم، وهما قوله: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ ما نوى» (٢)، فبيَّن في الجملة الأولى أن العمل لا يقع إلا بنية، ولهذا لا يكون عمل إلا بنية، ثم بيَّن في الجملة الثانية أن العامل ليس له من عمله إلا ما نواه، وهذا يعمُّ العباداتِ والمعاملات والأيمانَ والنذور وسائر العقود والأفعال. وهذا دليل على أن من نوى بالبيع عقد الربا حصل له الربا، ولا يعصمه من ذلك صورة البيع، وأن من نوى بعقد النكاح التحليلَ كان محلِّلا، ولا يُخرِجه من ذلك صورة عقد النكاح؛ لأنه قد نوى ذلك، وإنما لامرئ ما نوى؛ فالمقدمة الأولى معلومة بالوجدان، والثانية معلومة بالنص.

وعلى هذا فإذا نوى بالعَصْر حصولَ الخمر كان له ما نواه، ولذلك استحقَّ اللعنة، وإذا نوى بالفعل التحيُّلَ على ما حرَّمه الله ورسوله كان له ما نواه؛ فإنه قصد المحرَّم وفعلَ مقدورَه في تحصيله، ولا فرقَ في التحيُّل على المحرَّم بين الفعل الموضوع له وبين الفعل الموضوع لغيره إذا جعل ذريعةً له، لا في عقلٍ


(١) رواه البخاري (٣١) ومسلم (٢٨٨٨) من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه -.
(٢) رواه البخاري (٢٥٢٩) ومسلم (١٩٠٧) من حديث عمر - رضي الله عنه -.