للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنما أُشهِد على ذلك توصلًا إلى أخذ بعض حقي. فهذه تعرف بمسألة إيداع الشهادة؛ فإذا فعل ذلك جاز له أن يدَّعي بقاءه على حقه، ويقيم الشهادة بذلك.

هذا مذهب مالك، وهو مطَّرد على قياس مذهب أحمد وجارٍ على أصوله، فإن له التوصل إلى حقه بكل طريق جائزة، بل لا يقتضي المذهب غير ذلك، فإن هذا مظلوم توصَّل إلى حقِّه بطريق لم يُسقِط بها حقًّا لأحد، ولم يأخذ بها ما لا يحلُّ له أخذه؛ فلا خرجَ بها من حق، ولا دخلَ بها في باطل.

ونظير هذا أن يكون للمرأة على رجل حق، فيجحده ويأبى أن يقرَّ به حتى تُقرَّ له بالزوجية، فطريق الحيلة أن تُشهِد على نفسها أنها ليست امرأة فلان، وأني أريد أن أُقِرَّ له بالزوجية إقرارًا كاذبًا لا حقيقة له؛ لأتوصَّل بذلك إلى أخذ مالي عنده، فاشْهدوا أن إقراري بالزوجية باطل أتوصَّل به إلى أخذ حقي.

ونظيره أيضًا أن ينكر نسب أخيه، ويأبى أن يقرَّ له به حتى يشهد أنه لا يستحق في تركة أبيه شيئًا، وأنه قد أبرأه من جميع ما له في ذمته منها، أو أنه وهب له جميع ما يخصُّه منها، أو أنه قبضه أو اعتاض عنه ونحو ذلك، فيُودِع الشهادةَ عدلين أنه باقٍ على حقه، وأنه يُظهِر ذلك الإقرار توصلًا إلى إقرار أخيه بنسبه، وأنه لم يأخذ من ميراث أبيه شيئًا، ولا أبرأ أخاه، ولا عاوضه، ولا وهبه.

وهذا يُشبِه إقرار المضطَهَد الذي قد اضطُهِد ودُفِع عن حقه حتى يُسقِط حقًّا آخر، والسلف كانوا يسمُّون مثل هذا مضطهدًا، كما قال حماد بن سلمة: