للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واحدة (١).

وقال معن بن عيسى القزَّاز: سمعتُ مالكًا يقول: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في قولي، فكلُّ ما وافق الكتاب والسنةَ فخذوا به، وما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه (٢).

فرضي الله عن أئمة الإسلام، وجزاهم عن نصيحتهم للأمة خيرًا. ولقد امتثل وصيّتَهم وسلك سبيلَهم أهلُ العلم والدين من أتباعهم.

وأما المتعصِّبون، فإنهم عكسوا القضية، ونظروا في السنَّة فما وافق أقوالَهم منها قبلوه، وما خالفها تحيَّلوا في ردِّه أو ردِّ دلالته. وإذا جاء نظيرُ ذلك أو أضعفُ منه سندًا ودلالةً وكان يوافق قولَهم قبلوه، ولم يستجيزوا ردَّه، واعترضوا به على منازعيهم، وأشاحوا (٣)، وقرَّروا الاحتجاجَ بذلك السند ودلالته. فإذا جاء ذلك السندُ بعينه أو أقوى منه، ودلالته كدلالة ذلك أو أقوى منه في خلاف قولهم؛ دفعوه ولم يقبلوه. وسنذكر من هذا إن شاء الله طرفًا عند ذكر غائلة التقليد وفساده، والفرقِ بينه وبين الاتباع.


(١) أخرجه ابن حزم في "الصادع" (٣٤٤) وسنده صحيح. وانظر نحوه في "ترتيب المدارك" (١/ ١٩٠) و"الموافقات" (٥/ ٣٣٢).
(٢) رواه أحمد بن مروان الدينوري في "مناقب مالك" [نقل سندَه ابنُ عبد البر في "جامع بيان العلم" (١٤٣٦)]، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (١٤٣٥) ــ وعنه ابن حزم في "الصادع" (٣٤٥) و"الإحكام" (٦/ ٥٦) ــ؛ من طريقين عن إبراهيم بن المنذر الحزامي، عن معن بن عيسى به.
(٣) أشاح: أعرض وجدَّ في الإعراض. وشيَّحَ: نظر إلى الخصم وضايقه. انظر "تاج العروس" (شيح).